الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[معنى التشريف والتسوية]

صفحة 154 - الجزء 1

  قَالَ: «قَالَ عَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ #، إِلَى قَوْلِهِ: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ)، إِلَى أَنْ قَالَ:

  «وَفِيْهِ⁣(⁣١) عَنْ ثُمَامَةَ [بْنِ شُفَيّ]⁣(⁣٢) قَالَ: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ (بِرُودِسَ)⁣(⁣٣) فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا، فَأَمَرَ فَضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ÷ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا.

  قَالَ: وَهَؤلَاءِ يُبَالِغُونَ فِي مُخَالَفَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيْثَيْنِ، وَيَرْفَعُونَهَا عَنِ الأَرْضِ كَالبَيْتِ، وَيَعْقِدُونَ عَلَيْهَا الْقِبَابَ».

  الْجَوَابُ: هَذَانِ الْحَدِيْثَانِ الآحَادِيَّانِ لَا يَبْلُغُ بِهِمَا أَنْ يُكَفَّرَ أَوْ يُفَسَّقَ بِمُخَالَفَةِ مَضْمُونِهِمَا، بَلْ وَلَا يُضَلَّلَ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ الْمُخَالَفَةِ.

  وَيَنْبَغِي أَوَّلًا النَّظَرُ فِي مَعْنَاهُمَا.

[معنى التشريف والتسوية]

  فَأَمَّا التَّشْرِيْفُ، فَيُحْتَمَلُ جَعْلُ الشُّرُفَاتِ عَلَيْهَا، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيْنَةِ الَّتِي تُخَالِفُ التَّذَكُّرَ وَالاِعْتِبَارِ.

  وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنَ الْشَّرَفِ⁣(⁣٤): وَهْوَ الاِرْتِفَاعُ، وَهْوَ مِنَ الأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ القَابِلَةِ لِلْقَلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ فِيْمَا وَقَعَ ارْتِفَاعًا مُجَاوِزًا.

  وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيْمَا رُفِعَ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ.


(١) أي في صحيح مسلم، (برقم ٢٢٤٢).

(٢) ثمامة بن شُفَيِّ الهمداني، ويقال: الأَصْبَحِي، أبو علي المصريُّ، سكن الإسكندرية. روى عن عُقْبَةَ بنِ عامر الْجُهَني، وفَضَالة بن عُبَيد الأنصاري، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. انظر (تهذيب الكمال) للحافظ الْمِزِّي (٤/ ٤٠٤)، رقم (٨٥٣).

(٣) قال في (تاج العروس) (١٦/ ١١٩): «جَزِيرَةُ رُودِسَ - بضمِّ الراءِ، وكَسْرِ الدّالِ -: بِبَحْرِ الرُّومِ حِيَالَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ».

(٤) «الشَّرَفُ - مُحَرَّكةً -: الْعُلُوُّ والْمَكانُ الْعَالِي، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ. وقال شمر: الشَّرَفُ: كُلُّ نَشْزٍ مِن الأَرْضِ، قد أَشْرَف عَلَى مَا حَوْلَهُ». انتهى بتصرف من (التاج) (٢٣/ ٤٩٢).