9 - مسألة وجوابها
  وقد بين الله جل ذكره ذلك في كتابه بقوله: {فَبِظُلمٍ مِنَ الَّذينَ هادوا حَرَّمنا عَلَيهِم طَيِّباتٍ أُحِلَّت لَهُم وَبِصَدِّهِم عَن سَبيلِ اللَّهِ كَثيرًا} إلى قوله: {وَأَعتَدنا لِلكافِرينَ مِنهُم عَذابًا أَليمًا}[النساء: ١٦٠ - ١٦١] وقد يمتحن الله المؤمن في بعض الأحوال بالشدايد والزلازل وعظيم البلاء، ليمحصهم من صغائر ذنوبهم، وليختبر طاعتهم وصبرهم نظرا منه جل ذكره: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ}[آل عمران: ١٤١] فإذا صبروا ورضوا بامتحان الله إياهم وبلواه لهم، زادهم ثوابا وكرامة وضاعف لهم الحسنات وأوجب لهم رفيع الدرجات، وقد يمد الله أهل معصيته في بعض الأحوال بالأموال والبنين والنعم، ويدافع عنهم المصائب ويمهلهم، ويصحح أجسادهم، ليستدعي بذلك طاعتهم، ويستشكرهم على نعمه عليهم، وليعلمهم أن معاصيهم إياه لاتضره فإن آمنوا وتابوا قبلهم وتاب عليهم، وإن أصروا ولجوا في طغيانهم، لم يخف فواتهم وأخذهم بذنوبهم وبسوء اكتسابهم فخلدهم في النار {وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ}[فصلت: ٤٦] فعلى هذا سأل المؤمنون ربهم فقالوا: ربنا ولاتحمل علينا ثقلا من المحنة، فلعلنا نعجز عن حمل ذلك يميل منا إلى الدنيا، ورغبوا اليه جل ذكره أن يسهل عليهم المحن ويخفف عليهم الثقل من البلوى، وهذا في كلام العرب معروف يقول الرجل للرجل: لست أطيق كلامك ولاأحتمل حكمك، ليس يريد أنه لايقوى على ذلك ويعجز عنه لمرض به أوضعف بدن وجوارح وعدم استطاعة، ولكن يريد أنه يكرهه ولايحبه فعلى هذا تأويل الآية وماشاكلها من القول، والله معبود محمود.
  وعلى هذا معنى قوله: {رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا}[آل عمران: ٨] يريدون بذلك لاتثقل علينا المحن، وتشدد علينا البلوى فاعلنا نؤثر أهواءنا، أونصبوا إلى دنيانا، فتزيغ