البساط،

الناصر الحسن بن علي الأطروش (المتوفى: 304 هـ)

[أقسام الإيمان]

صفحة 63 - الجزء 1

  أن يكون معهم إقرار بالإيمان باللسان لا ينفعهم، ألا ترى أنه جل ذكره وصف أنهم يسألون الرجعة عند معاينة الموت، والمؤمن لا يسأل الرجعة عند الموت، بل يكون بما تلقاه به الملائكة من البشرى فرحا مسرورا، وإنما يكون اسم الإيمان الحق واجبا لمن دعاه الله فقال: يا مؤمن، فهذا يكون دعاء بحقيقة الإسم لا بالصفة، وقد بينا هذا في كتابنا الكبير في الإيمان، وأوضحناه إن شاء الله، وكذلك كل من أصر على شيء من كبائر معاصي الله وذنوبه، التي تكتب عليه في كل يوم وساعة تزيد ولا تنقص إلا جملة، قياسا على ما تقدم وصفنا إياه من زيادة الإيمان.

  وإني لأكثر التعجب من قوم يسمعون الله سبحانه يصف في محكم كتابه الإيمان بالزيادة ويقولون هم: لا يزيد.

  واعلم هداك الله أن التقوى والإحسان والإسلام والإصلاح من أوصاف الإيمان ومعانيه، التي يؤمن العبد بها نفسه من سخط الله وعقابه، إذا أتى مع ذلك بجميع ما فرض الله عليه، فيكون قد آمن نفسه، ألا تسمع إلى قول الحكيم العليم: {قالَتِ الأَعرابُ آمَنّا قُل لَم تُؤمِنوا وَلكِن قولوا أَسلَمنا وَلَمّا يَدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُم}⁣[الحجرات: ١٤] الآية فأعلمهم أنهم لم يكن منهم ما يستوجب إيمان أنفسهم، ولكن كان منهم التسليم وإظهار قبول الحق الذي لا ينفع في الآخرة وينفع في الدنيا إذا قارنه معصية لله كبيرة وقد يكون العبد متقيا لله في بعض الأمور ومسلما وبرا ومحسنا، ويكون مع ذلك غير متوق شيئا آخر، ولا بر ولا محسن في غير ما أحسن فيه، فيجوز أن يسمى فيما اتقى وأسلم وأحسن باسم ما فعل ويكون ذلك نافعا له مع إصراره على معاصي الله ولا يكون مستحقا اسم الإيمان الممدوح أهله الموجب رضوان الله؛ لأنه قد كان منه مع تقواه وبره في إحسانه ما لم يؤمن به نفسه من سخط الله ووعيده، ولم يكن منه تقوى لله ولا بر ولا إحسان فيه ولا يكون متقيا لله غير متق له، ولا مسخطا لله غير