خروجه إلى اليمن
  الباطل مائلين، وللهوى متابعين، فجَهِدَ # في تقويمهم وإصلاحهم، وحَرِصَ على إرشادهم وهدايتهم، فتَصَعَّبُوا عليه، ولم يجد فيهم إلى ما حاول مساغاً، ولا إلى تقويمهم سبيلاً، ثم بلغه أنّ أفراداً من الجند الذين معه تعدوا على أموال الناس ومواشيهم وزروعهم، وعاثوا في الأرض فساداً، وعندما أراد تأديبهم؛ تعصب لهم مشائخُهم، وبلغه أيضاً أن قائداً من القواد الذين كانوا عند أبي العتاهية، شرب خمراً، وشَهِدَ الشهودُ عليه بذلك، فبعث إليه من يُقدِمُ به، ليقيمَ حدَّ الله عليه فامتنع، فركب إليه الإمامُ # بأصحابه إلى حيث كان الرجل، فامتنع عليه فغضب الإمام الهادي وقال: والله لا أكون كالمصباح يضيء لغيره ويحرق نفسه.
  فلما صار الوضع على ما صار إليه لم يستجزِ الإمامُ # فيما بينه وبين الله تعالى أن يقيمَ بين أظهرهم، فاعتزل أمرهم، وتخلى عنهم، ثم انصرف عنهم على حين خُفية، واتخذ الليل جَمَلاً، واتجه إلى بلاده، وأغذَّ المسير، وطوى المراحل والمنازل، حتى عاد إلى وطنه من أرض الحجاز، فأقام بها مع أهله جارياً على عادته في طلب العلم، والنظر في الحلال والحرام، والسنن والأحكام، والآثار والأخبار مجداً مجتهداً مواظبا عليه.
  فلما خرج عنهم، ساءت أحوالُهم، وفسدت معائشُهم، وأخلفت ثمارهم وزروعهم، وأسرع الموت في مواشيهم وأنعامهم، وجدبت أرضهم، وعادت الفتن بينهم، فندم أهل اليمن على ما فرط منهم مِن مخالفته، والعدول عن أمره، وتلاوموا بينهم، واتفقوا على أن يوجهوا إليه من كل قبيلة رجالاً