المقدمة الأولى: في حسن النية
المقدمة الأولى: في حسن النية
  اعلم أنه ينبغي من الدّاخل في الإمامة، والمعطي لصفقة يمينه في المبايعة: إصلاح النيّة، وإخلاص الطوية، وأن يكون قاصداً لله تعالى، ممتثلاً لما أمر به من إجابة الواعية، مخلصاً له الرجاء والطماعية، وليجعل شعاره التقوى، ودثاره إيثار الآخرة على الأولى، متسربلاً بسربال الخشية، لا يثنيه عن ذلك غضب ولا رضى، ولا عُسر ولا يُسر، مستعيناً بالله سبحانه، ويُمثّل الحساب بين يديه؛ ليكون ذلك وازعاً له عن الهفوات، وحاملاً له على إيثار الطاعات، وليحذر كل الحذر أن يقصد في ذلك إيثار الهوى، أو إصلاحاً لدنياه، أو استماع قالةٍ، أو تحصيل جلالة، أو كسب هيبة ومالٍ، أو تفخيم شأنٍ وحالٍ.
  وليتجافى عن ذلك، وينحي نفسه عن سلوك تلك المسالك؛ فإن النيّة هي أساس العمل، وبها ينال العصمة عن الخطأ والزلل، وهي واجبة في الأكثر أو الكل من الواجبات الشرعية، ولو لم يرد فيها إلا هذا الحديث الوارد عن خير البرية، وهو: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»(١)، قال بعض أصحاب الحديث: هذا الحديث مقبول عند جميع الأمة مجمع على صحته، وقال بعض [العلماء](٢) بتواتره.
  وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ١٨}[الإسراء] قيل معنى هذه الآية: من أراد بعمله الدنيا أعطاه [تعالى من الدنيا ما يشاء من رزقها لمن يُريد
(١) سنن النسائي ج ٧ ص ١٣.
(٢) في نسخة (أ): الحكماء.