المسألة الرابعة: أن الله تعالى لا يقضي بالمعاصي
المسألة الرابعة: أن الله تعالى لا يقضي بالمعاصي
  والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَةَ القَضَاءِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ ثلَاثةِ مَعَانِي:
  أَحَدُهَا: بِمَعْنى الْخَلْقِ والتَّمامِ، قَالَ تَعَالَى: {فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ}[فصلت: ١٢]، مَعْناهَا: أَتَمَّ خَلْقَهُنَّ.
  وَثَانِيَهَا: بِمَعْنَى الأَمْرِ والإِلْزَامِ، قَالَ تَعَالَى: {۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ}[الإسراء: ٢٣]، مَعْنَاهُ: أَمَرَ وأَلْزَمَ.
  وثَالِثُهَا: بِمَعْنَى الإِخْبَارِ وَالإِعْلَامِ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤}[الإسراء]، مَعْنَاهُ: أَخَبَرَنَاهُمْ بِحَالِهِمْ.
  وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الخَلْقِ; لأَنَّهُ لَوْ خَلَقَهَا فِيهِمْ لَمْ يَحْسُنْ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، كَمَا أَنَّ أَلْوَانَهُمْ لَمَّا كَانَتْ خَلْقًا للهِ تَعَالَى لَمْ يَحْسُنْ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي مِنْ قَضَاءِ اللهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الأَمْرِ; لأَنَّهَا قَبِيحَةٌ، وَاللهُ لَا يَأْمُرُ بِالْقَبِيحِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٢٨}[الأعراف]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ}[غافر: ٢٠]، وَلَا شَكَّ أنَّ الْمَعَاصِي بَاطِلٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَضَاءِ اللهِ تَعَالَى(١).
(١) قال أمير المؤمنين علي # من خطبة له: (الذي عظم حلمه فعفا، وَعَدَلَ في كل ما قضى). [نهج البلاغة ص ١٣٣/ ٣]. =