مصباح العلوم في معرفة الحي القيوم،

أحمد بن الحسن الرصاص (المتوفى: 621 هـ)

المسألة الأولى: أن لهذا العالم صانعا

صفحة 12 - الجزء 1

مسائل التوحيد

المسألة الأولى: أن لهذا العالم صانعًا

  وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أنَّ هَذِهِ الأجْسَام مُحْدَثَةٌ; لأَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ هَذِهِ الأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ: الحَرَكَةُ والسُّكُونُ، والاجْتِمَاعُ والافْتِرَاقُ، وَهَذِهِ الأَعْرَاضُ مُحْدَثَةٌ; لأَنَّهَا تَعْدَمُ وَتَزُولُ، وَالْجِسْمُ بَاقٍ، فَلَوْ كانَتْ قَدِيمَةً لَمَا جَازَ عَلَيْهَا الْعَدَمُ; لأَنَّ الْقَدِيمَ وَاجِبُ الْوُجُودِ فلَا يَجُوزُ علَيْهِ العَدَمُ، فَإِذَا ثَبَتَ حُدُوثُ الأَعْرَاضِ بِمَا قَدَّمْنَا وَجَبَ أنْ تَكُونَ الأجْسَام مُحْدَثَةٌ أَيْضًا; لأَنَّهٌ لَا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الجِسْمُ والعَرَضُ مَعًا، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا قَدِيمًا والآخَرُ مُحدَثًا؛ لأَنَّ الْقَدِيمَ يَجِبُ أنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمُحْدَثِ تَقَدُّمًا لَا أَوَّلَ لَهُ، وإِذَا ثَبَتَ أنَّ الأجْسَامَ أَنْ تُوجَدَ مُحْدَثةٌ فلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ وَهُوَ اللهُ تَعَالَى; لأَنَّ العِبَادَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ مُحْدِثَهَا اللهُ تَعَالَى، أَلَا تَرَى أَنَّ أَفْعَالَنَا لَمَّا كَانَتْ مُحْدَثَةً وَجَبَ أن يُحْتَاجَ إِلَيْنَا; لأَجْلِ حُدُوثِهَا، فَثَبَتَ بهَذِهِ الجُمْلَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ صَانِعًا صَنَعَهُ وَمُدَبِّرًا دبَّرَهُ⁣(⁣١).


(١) قال أمير المؤمنين # من خطبة له: (فأقام [أي: الخالق تعالى] من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له ... إلخ). [نهج البلاغة ص ٧٠].

قال الإمام الهادي # في كتابه البالغ المدرك: (يجب على البالغ المدرك في =