بيعته # ونبذ من أخباره ومقتله
  أن كان الأظهر من أمره أنَّه يُسَلَّم إن لم يستجب للنزول، لأنَّ امرأة ملك الديلم كانت مستولية عليه وأشارت بذلك فزعاً من أن يُقْصَدُوا.
  وامتدّ إلى بغداد، فأعطاه هارون مالاً عظيماً وأقام عنده، ثم خرج إلى المدينة، واختلفت الأخبار في خروجه، فروي أنَّه استأذنه في ذلك فأذن له، ورُوي أن الفضل أذن له ولم يستأذن هارون فيه وأنه حقد على الفضل ذلك، فكان هذا أحد أسباب نكبة البرامكة.
  فلما ورد المدينة فَرَّق ذلك المال في مستحقي أهل بيته، وكان الحسين بن علي الفخّي # استشهد وعليه دين كثير فقضى دينه من ذلك المال.
  وكان هارون يخشى جانبه ولا يسكن إليه، فأشخصه إلى بغداد، وأظهر أنَّه قد وقف على اشتغاله بالدعوة وإنفاذ الرسل إلى خراسان وسائر النواحي في الدعاء إلى نفسه، وعرض نسخة الأمان الذي كتبه له على جماعة مَنْ بحضرته من الفقهاء والقضاة واستفتاهم في التأوّل فيه، فقال محمد بن الحسن: هذا أمان لا سبيل إلى نَقْضِه.
  وقال الحسن بن زياد مثل ذلك، إلا أنَّه خَفَّفَ القول ولم يجسر على المبالغة فيه كما بالغ محمد بن الحسن، واقتصر على أن قال بصوت ضعيف: هو أمان.
  والمعروف بأبي البختري(١) تقرّب إليه بأن قال: إذا كانت الصورة في أمر يحيى بن عبد اللّه كما يقول أمير المؤمنين فهذا الأمان يجوز نَقْضه، وأَخَذَ الكتاب ومَزَّقه،
= يملكه أو يستفيده فهو صدقة على الفقراء والمساكين، وإلا فعليه المشي إلى بيت الله الحرام حافياً راجلاً، وعليه المحرجات من الأيمان كلها، وأمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبدالله - خليع من إمرة المؤمنين، والأمة من ولايته براء، ولا طاعة له في أعناقهم. والله عليه وبما وكّد وجعل على نفسه في هذا الأمان كفيل وكفى بالله شهيداً.
(١) أبو البختري بالخاء المعجمة وفتح الباء، قال: وقد تصحّف على كثير من الناس بالحاء المهملة، انتهى. واسمه وهب بن وهب بن كبير القرشي، أحد علماء السلاطين، له مواقف مخزية مع الإمام يحيى بن عبدالله #، وهو متهم بوضع الحديث توفى (٢٠٠ هـ)، انتهى من هامش التحف شرح الزلف ط ٣/ص ١٢١.