الإفادة في تاريخ الأئمة السادة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

بيعته # ونبذ من أخباره ومقتله

صفحة 69 - الجزء 1

  ففرح به هارون وولاه قضاء القضاة، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة، ثم رضي عنه.

  وحَبَسَ يحيى بن عبد اللّه في أضيق الحبوس، وكان مرة يوسع عليه قليلاً ومرة يضيق عليه، وأخرجه مرّة من الحبس وأحضره مجلسه وجرى بينه وبينه خطاب طويل.

  وادعى عليه عبد اللّه بن مصعب الزبيري⁣(⁣١) أنَّه دعاه إلى بيعته، فقال يحيى #: إن هذا بالأمس بايع أخي محمداً ومدحه بقصيدة قال فيها:

  قُوموا بأمركم نَنْهَضْ بطاعتنا ... إن الخلافة فيكم يا بني حَسَن

  واليوم يكذب عَلَيَّ ويسعى بي إليك، فأنكر الزُّبَيْرِي أن يكون قاله، وابتدأ يحلف على أنَّه لم يقل ذلك، وقال: والله الذي لا إله إلا هو، فقطع يحيى # يمينه عليه، وقال له: لا تحلف هكذا، ولكن احلف كما أُحَلِّفُكَ، فإن عندنا يميناً لا يحلف بها أحد كاذباً إلا عُوجل بالعقوبة، قل: (قد برئتُ من حول اللّه وقوته، واعتصمتُ بحولي وقوتي، وتقلّدت الحول والقوة من دون اللّه، استكباراً على اللّه، واستغناء عنه، واستعلاء عليه، إن كنتُ قلتُ هذا الشعر).

  فأضْرَبَ عبد اللّه الزبيري وامتنع من الحلف بذلك، فغضب هارون وقال للفضل بن الربيع: يا عباسي، ماله لا يحلف إن كان صادقاً، فصاح به الفضل بن الربيع وقال: احلف ويحك، فحلف باليمين، ووجهه متغيّر وهو يرتعد، فضرب


(١) عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير، أبو بكر، القرشي، من أمراء الشعر والفصاحة، ولي للرشيد المدينة، وهو الواشي بيحيى بن عبدالله # إلى هارون الرشيد، وفي وشايته قال الإمام يحيى بن عبدالله ~ يومئذ لهارون: والله إنه ليتقرّب إلينا بعداوتكم وبعداوتنا إليكم في سالف الدهر وحديثه، وما اجتمعنا له إلا جمعنا بالعداوة، ولا يخصّ بمقته ولا بغضه واحداً دون صاحبه، فأمر الرشيد الزبيري أن يحلف بما حلّفه به الإمام يحيى، فحلف، فما أتى عليه إلا ثلاثاً حتى مات، فأمر الرشيد أن يُدفن، فدُفن فانخسف القبر، ثم سُوّي ثانية فانخسف القبر، ثم سوي ثالثة فانخسف القبر، فأمر هارون أن تضرب عليه خيمة، فما زالت مضروبة على قبره.