درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية،

عبدالله بن محمد بن أبي النجم (المتوفى: 647 هـ)

[مقدمة جامع الكتاب]

صفحة 34 - الجزء 1

  وأتباعهم الطاهرين، ولم يوجد مثل ذَلِكَ للإمام الْهَادِي إِلَى الْحَقِّ يَحْيَى بن الْحُسَيْنِ، مَعَ أن الكل مِنْهُمْ يغترف من بحره الزاخر، ويعترف لَهُ بالحظ الوافر، وإنما شغله عَنْ ذَلِكَ شغل الجهاد، ومعاناة أهل الفساد، فكان أكثر وقته لاَ يتمكن من إملاء مسألة إلا وَهُوَ عَلَى ظهر فرسه، ولقد حكى عَنْهُ فِيْ يوم من أيام حروبه، وَقَدْ اعترض لَهُ سائل يسأله من لدن أمر بإسراج فرسه إِلَى أن استوى عَلَى متنه، ثُمَّ إِلَى أن زحف إِلَى عدوه وَهُوَ يجيبه، فَلَمَّا تراءى الجمعان، وألح عَلَيْهِ ذَلِكَ الإنسان أنشد هَذِهِ الأبيات متمثلاً:

  ويل الشجي⁣(⁣١) من الخليّ فإنه ... نصب الفؤاد بشجوه مغمومُ

  وترى الخلي قرير عين لاهياً ... وعلى الشجي كآبة وهمومُ

  ويَقُوْلُ مالك لاَ تقول مقَالَتْي ... ولسان ذا طلق وذا مكظومُ


(١) قوله: (ويل الشجى من الخلي) الويل: كلمة تقال فِيْ هَذَا الموطن كلمة رحمة، والشجي: المشغول أو المحزون، وقوله يصب الفؤاد: (هو نصب بالنون وقد تصحف عَلَيْهِ بالكتابة فتبعد فِيْ التفسير) أي يتعبه.

والأبيات هي من ضمن قصيدة لأبي الأسود الدؤلي أولها:

حسدوا الفتى إن لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداء له وخصوم

كغرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسداً وبغياًً إنه لذميم

وترى اللبيب محسداًً لم يحترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم

ومنها:

وإِذَا عتبت على السفيه ولمته ... في مثل مَا تأتي فأنت ظلوم

يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كَانَ ذا التعليم

تصف الدواء من السقام لذي الردى ... ومن الردى قد كنت أنت سقيم

لا تنه عَنْ خلق وتأتي مثله ... عار عليك إِذَا فعلت عظيم

وابدأ بنفسك فانهها عَنْ غيها ... فإِذَا انتهت عَنْهُ فأنت حليم

فهناك يُقبَل مَا تقول ويُقْتَدى ... بالقول منك وينفع التعليم

وبالمناسبة هَذِهِ يذكر: ويل الشجى ... إلى آخرها ماكتب عَلَيْهِ القاضي العلامة مُحَمَّد بن أحمد بن يَحْيَى بن بهران ¦ فِيْ تعليقه على اسشهاد الهادي بهَذِهِ الأبيات قَالَ: وقد وقع معنا كَذَلِكَ عندما توفي والدنا يَحْيَى | ونحن نسير خلف جنازته فِيْ حال يعلمه اللَّه، وَفِيْ حالة الاشتغال بالدعاء المأثور، وجاء بعض الثقلاء سألني فِيْ تلك الحالة عَنْ مواريث، فتذكرت مَا وقع مَعَ الإِمَام الهادي #، وكفى به أسوة، تمت من تعليق البستان.