الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام على دعاء الموتى]

صفحة 149 - الجزء 1

  قَالَ: «وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ÷ قَصَدَ مَنْعَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالفِتْنَةِ بِالقُبُورِ، كَمَا افْتَتَنَ بِهَا قَومُ نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُم، مِنْ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُتَّخِذِيْنَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِد».

  فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّكَ تَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ⁣(⁣١)، بَيْنَمَا أَنْتَ تَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْمَشَاهِدِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَهَا؛ لِكَوْنِهَا وُصْلَةً؛ إِذْ نَقَضْتَ ذَلِكَ بِنَصِّكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ÷ قَصَدَ مَنْعَ هَذِهِ الْفِتْنَةِ بِالْقُبُورِ، كَمَا افْتَتَنَ بِهَا قَومُ نُوحٍ، وَأَيُّ شَيءٍ وَقَعَ مِنْ قَومِ نُوحٍ غَيْر عِبَادَتِهَا، وَجَعْلِهَا أَوْثَانًا؟!.

  قَالَ: «وَمِنْهَا أَنَّهُ قَرَنَ فِي اللَّعْنِ بَيْنَ مُتَّخِذِ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا، وَمُوقِدِي السُّرُجِ عَلَيْهَا»، إِلَى أَنْ قَالَ: «وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِيْقَادَ السُّرُجِ عَلَيْهَا إِنَّمَا لُعِنَ فَاعِلُهُ لِكَوْنِهِ وَسِيْلَةً إِلَى تَعْظِيْمِهَا، فَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا، وَلِهَذا قَرَنَ بَيْنَهُمَا».

  الْجَوَابُ: مِنْ أَيْنَ عُلِمَ ذَلِكَ؟ بَلْ لَا يُظَنُّ ذَلِكَ، وَبِأَيِّ طُرُقِ العِلْمِ اسْتَفَدْتَهُ؟ فَلَيْسَ لَكَ إِلَّا مَحْضُ الدَّعْوَى، لِمَ لَا تَكُونُ العِلَّةُ مَا اقْتَرَنَتْ بِهِ مِن اتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ أَيْ أَوْثَانًا.

  وَقَدْ سَبَقَ الاِسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي قَرِيْبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

  قَالَ: «وَمِنْهَا: أَنَّهُ ÷ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد»، فَذِكْرُ ذَلِكَ عَقِيْبَ قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» تَنْبِيْهٌ مِنْهُ عَلَى سَبَبِ لُحُوقِ اللَّعْنِ، وَهْوَ تَوَصُّلُهُمْ بِذَلِكَ إِلَى أَنْ تَصِيْرَ أَوْثَانًا تُعْبَدُ».


(١) قال في (تاج العروس): «فُلانٌ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْواءَ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: وهي النَّاقَةُ الَّتِي في بَصَرها ضَعْفٌ تَخْبِطُ إِذا مَشَتْ لا تَتَوَقَّى شيئًا، وهو مَجازٌ. قالَ زُهَيْرٌ:

رَأَيْتُ الْمَنَايَا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ ... تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئُ يُعَمَّرْ فيَهْرَم

إلى أن قال: وَمِثْلُ ذلك: فلانٌ يَخْبِطُ في عَمْياءَ: إِذا رَكِبَ مَا رَكِبَ بجَهَالَةٍ. وفي حديثِ عليٍّ ¥: (خَبَّاطُ عَشَوَاتٍ)، أَي يَخْبِطُ في الظَّلامِ، وهو الَّذي يَمْشي في اللَّيْلِ بلا مِصْباحٍ فيَتَحَيَّرُ ويَضِلُّ فرُبَّما تَرَدَّى في بِئْرٍ». انتهى.