الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام على قصة نبي الله تعالى دانيال #]

صفحة 161 - الجزء 1

  وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ لَجَالَدُوا عَلَيْهِ بِالْسُّيُوفِ، وَهُمْ قَدْ اتَّخَذُوا مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، وَأَقَامُوا لَهُ سَدَنَةً، وَجَعَلُوا لَهُ مَسْجِدًا، وَعَظَّمُوهُ أَعْظَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ».

  الْجَوَاب: أَنَّ هَذَا الأَثَرَ - عَلَى فَرْضِ صِحِّتِهِ - لَا حُجَّةَ فِيْهِ، وَمِنْ أَينَ لَكَ ظُهُورُهُ لِلْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَتَقْرِيْرُهُم لَهُ فَضْلًا عَمَّا ادَّعَيْتَ أَنَّهُم فَعَلُوه، وَهْيَ حِكَايَةُ فِعْلٍ لِبَعْضٍ مِنْهُم.

  وَلَعَلَّ تَعْمِيَتَهُم لَهُ لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِن افْتِتَانِهِمْ بِهِ كَمَا يَفْعُلُهُ أَصْحَابُ الأَوْثَانِ؛ لِكَوْنِهِمْ قَرِيْبِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ⁣(⁣١).

  وَأَيْضًا فَقَدَ صَرَّحَ بِالعِلَّةِ فِي إِخْفَائِهِ بِقَوْلِهِ: «لَا يَنْبِشُونَهُ»، وَهَذَا مَقْصَدٌ صَالِحٌ؛ لأَنَّ النَّبْشَ لَا يَجُوزُ، وَالتَّقْبِيْرَ هُوَ الْمَشْرُوعُ، فَمَتَى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالإِخْفَاءِ صَارَ حَسَنًا، كَمَا فَعَلَهُ أَئِمَّةُ الهُدَى عِنْدَ خَشْيَةِ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوَّلُهُم إِمَامُهُم الأَعْظَم، وَسَيِّدُهُم الْمُقَدَّم، أَمِيْرُ الْمُؤْمِنِيْن، وَسَيِّدُ الوَصِيِّيْن، وَأَخُو سَيِّدِ النَّبِيئين À وَآلَهُمْ وَسَلَامُهُ؛ فَإِنَّهُ أُخْفِيَ قَبْرُهُ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ حَتَّى انْقَضَتْ سَطْوَةُ الْجَبَّارِيْنَ، وَأَظْهَرَهُ أَوْلَادُهُ أَئِمَّةُ آلِ مُحَمَّدٍ؛ لأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا لَدَيْهِم، يَزُورُهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْهُم، كَمَا قَالَ الإِمَامُ النَّاصِرُ لِلْحَقِّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الأُطُروشُ @:

  فَإِذَا جِئْتَ الغَرِيَّا ... فَابْكِ مَوْلَانَا عَلِيَّا

  وَقَالَ:


(١) ومما يؤكد ذلك ما رواه الدارمي في (السنن) (١/ ٢٢٧) رقم (٩٣)، ط: (دار المغني) بإسناده إلى أَبي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطًا شَدِيدًا، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِيِّ ÷ فَاجْعَلُوا مِنْهُ كُوىً إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ. قَالَ: فَفَعَلُوا فَمُطِرْنَا مَطَرًا حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ، وَسَمِنَتِ الإِبِلُ حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّىَ عَامَ الْفَتْقِ». قال المحقق (حسين سليم أسد): «رجاله ثقات». وبوَّب له الدارميُّ (باب مَا أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ÷ بَعْدَ مَوْتِهِ). قال في (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) (١١/ ٩٦): «قيل: إنَّه ÷ كان يُستشفع به عند الجدب فتمطر السماء، فأَمَرت عائشةُ (رض) بكشف قبره مبالغةً في الاستشفاع به، فلا يَبْقَى بينه وبين السماءِ حِجَابٌ».