مشاهد الفوائد وشواهد الفرائد،

أحمد بن عزالدين بن الحسن (المتوفى: 941 هـ)

الأدب الرابع: [في حفظ السر]:

صفحة 71 - الجزء 1

  سر غيره، وقصة امرؤ القيس معروفة:

  ................................. ... وفي خطوبِ الدَّهرِ للنَّاسِ أُسى

  وشرحها: أن العرب لما قتلت حُجْراً أباه⁣(⁣١) استخفت به، ووضعته عن مرتبته، فلحق بقيصر العجم يستنصر به على العرب، وفيه قال:

  بكَى صَاحِبي لما رَأى الدَّرْبَ دُونَه ... وأَيْقَنَ أَنّا لَاحِقَانِ بقَيْصَرا

  فَقُلْتُ لَهُ لا تَبْكِ عيْنُكَ إنَّما ... نُحاوِلُ مُلْكًا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا

  فلما لحق بقيصر في جماعة من قومه، جرى بينه وبين بنت قيصر اتصال، فأسرّ إلى قومه ما كان منه - وفيهم الحاسد - فقالوا: لا نصدقك إلا أن ترينا شيئاً لا يوجد إلا معها؟ فقال: هنالك شيء من الطيب ما سمع به إلا معها ومع أبيها، فأراهم من ذلك الطيب شيئاً فأخفوه عليه، ثم أعلموا من أعلم الملك من الخواص، وجاءوا بذلك الطيب الذي يعرف الملك أنه لا يوجد إلا معه، فلما تبين الملك ذلك أمر امرؤ القيس بالتجهز إلى بلده، ولم يحبّ أن يفعل به شيئاً وهو عنده، وكان أراد أن يجهز معه الرجال بالمال لأخذ بلاده، فلما فعل ما فعل قال له: تقدم إلى الموضع الفلاني حتى يأتيك الجند، فتقدم إلى قفر وألحقه قيصر خلعةً مسمومة وأمر بأن يلبسها في مكانه ذلك، فلبسها فأنزلغ جلده منها، فعلم عند ذلك أنه أُتي من نفسه ومن إفشاء سره، فقال:

  إِذا الْمَرءُ لم يَخْزُنْ عَلَيْهِ لسانهُ ... فَلَيْس عَلَى شَيءٍ سِواهُ بِخزَّان

  فاللسان أشرّ شيء على الإنسان؛ ولذلك قال ÷: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ»⁣(⁣٢).


(١) أي امرؤ القيس.

(٢) الصمت لابن أبي الدنيا ص ٦٣.