الأدب الخامس: [في القناعة]:
  والجمل)، فقال(١):
  إذا أظمأتك أكفُّ الرجال ... كَفَتْك القَناعَةُ شَبْعا وَرِيَّا
  فَكُنْ رَجُلاً رِجْلُهُ في الثَرَى ... وهَامَةُ همّتهِ في الثُريَا
  وقال آخر:
  الْفَقْرُ فِي النَّفْسِ وَفِيهَا الْغِنَى ... وَفِي غِنَى النَّفْسِ الْغِنَى الْأَكْبَرُ
  ولأن حرص المرء يهتك قدره، والقنوع يصون أهله، ويرفعُ منزلتهم ويعلي درجتهم، وينظر إليهم بعين التعظيم والتجليل والتكريم، والعكس في ذلك أهل الأطماع؛ فإنهم لا أهون منهم ولو كان لهم من مراتب الفضل ما يرفعهم، يدل على قولي هذا: قوله ÷: «أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ»(٢)، يعني أنه صغّر نفسه ووضع منها، وقد أحسن بعض الأدباء حيث يشير إلى هذا المعنى بقوله:
  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوْهُ صَانَهُمْ ... وَلَوْ عَظَّمُوْهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
  وَلَكِنْ أَهَانُوْهُ فَهَانُوا وَدَنَّسُوا ... مُحَيَّاهُ بِالأطمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
  وقال أيضاً بعض الشعراء الحكماء:
  استبقِ جَاهَك لَا تُخلِقْهُ بالطلَب ... فمَا يزيدُكَ رِزقاً شدَة الطّلَب
  فينبغي الإجمال في الطلب، وعدم الإفراط في السؤال، والقنوع بأيسر أمرٍ في الجواب، وسواء كان سائلاً لنفسه أو لغيره على جهة الشفاعة، قال الأشعث بن قيسٍ الكندي - وكان من أربى الناس منزلة عند أبي بكر [¥](٣)، وهو ممن ارتد وأُتي به أسيراً إلى أبي بكرٍ، فمَنّ عليه وزوجه أخته فروة بنت أبي
(١) القائل هو أبو الحسن النعيمي. تاريخ بغداد ج ١١ ص ٣٣١.
(٢) نهاية الأرب في فنون الأدب ج ٣ ص ٣٧٦ عن علي بن أبي طالب.
(٣) من نسخة (ب).