مشاهد الفوائد وشواهد الفرائد،

أحمد بن عزالدين بن الحسن (المتوفى: 941 هـ)

الباب الثالث: فيما ينبغي معاملة الإمام به

صفحة 81 - الجزء 1

  وعن ابن مسعودٍ وغيره من الصحابة أنه قال: «كنا ندع تسعة أعشار الحلال؛ مخافة أن نقع في الحرام، ولا نتجاوز المعدود في الشيء الزهيد»⁣(⁣١)؛ فذلك هو الويل والثبور، بل يحاسب نفسه على اليسير والنقير والقطمير؛ فإن إلى الله المصير وبين يديه يناول كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها، ولا يدع ظلامةً إلا أداها واستقصاها، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة]، فالقليل عند الله في غير وجهه كثير، روي أنه جيء إلى علي # بشيء من المأكول - وهو يرى أنه للمسلمين - فجاء وإذا قد نقص عدده فقال لأهل بيته: «أراكم حرصاء على أموال المسلمين، ردّوا عليّ ما أخذتم أو قيمته، فأعطوا قيمته»⁣(⁣٢).

  وكذا عمر بن الخطاب ¥ رأى ولداً له يدهن رأسه ببقية زيت كان في الجفنة بعد قسمته بعد المسلمين، وكان وصل به من الشام بعض العمال، فأخذ عمر برأس ولده وجزّه وقال: «أرى شعرك شديد الرغبة في زيت المسلمين هذا أهون عليك»⁣(⁣٣).

  وسمعت الوالد الإمام # يحكي في زمن قديمٍ أنه مات في بعض غزوات النبي ÷ رجل خادم له، فقال له المسلمون ليهنه الجنة؛ وذلك لخدمته إياه، فقال لهم ÷: «لا تَقُولُوا ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إِلَى النَّارِ»⁣(⁣٤)، وأخبرهم أنه خان شيئاً من المحقرات أخذه


(١) أنساب الأشراف للبلاذري ج ١٠ ص ٣٢٨.

(٢) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ» شرح نهج البلاغة ج ١١ ص ٢٤٥.

(٣) تنبيه الغافلين للسمرقندي ص ٤٧٥.

(٤) عن سالم، مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال: أهدى رفاعة إلى رسول الله غلاما، فخرج به معه إلى خيبر، فنزل بين العصر، والمغرب فأتى الغلام سهم غائر فقتله فقلنا: هنيئا له الجنة فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ شَمْلَتَهُ لَتُحْرَقُ عَلَيْهِ الْآنَ فِي النَّارِ غَلَّهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أصبت يومئذ شراكين فقال: «يُقَادُ مِنْكَ مِثْلُهُمَا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٥٢٦.