سورته وعزيمته ¥
  فأَخَذَ ذلك الرجلُ يخرِّبُ فيه، وعَمِلَ يوم الاثنين وهو يوم السُّوْقِ الذي يجتمِعُ فيه الجمُّ الغَفِيْرُ من الأُمَمِ، ويلفي إليه محمَّدي وحُسَيْني وغَيْرُهُمْ من قَبَائِلِ دهم، وهذا السوق مؤَمَّنٌ من جميع هذه القبائل، وبينهم في حمايتهم له عهودٌ شديدةٌ، ومَوَاثِيْقُ أكِيْدَةٌ، حتى إنَّ القاتِلَ يَدْخُلُهُ وعَلَيْهِ كذا وكذا قَتْلاً، لا يَتَعَرَّضُ له أَحَدٌ بِسُوْءٍ، ومَنْ هَمَّ فيه بأيِّ حَدَثٍ سَفَكُوا دَمَهُ وانْتَهَكُوا حَرَمَهُ.
  فَبَلَغُهُ ¥ وهو في هِجْرَةِ الرَّضْمَةِ التي أَسَّسَ بها مَسْجِدَهُ المعروف باسمه - فرَاسَل ذلك الرجلِ، فلَمْ يَنْتَهِ، فمضى إليه مُنْحَدِراً لا يَلْوِي على أَحَدٍ، وقد تَبَيَّنَ الغَضَبُ في وَجْهِهِ، حتى إنَّ أحَداً لا يُطِيْقُ مُرَاجَعَتَهُ إلى أن انتهى إلى حيال ذلك البيتِ في مَكانٍ مُرْتَفِعٍ على السُّوْقِ يقال له: العَارِضَةُ؛ فطَلَبَ مِنْهُ حُكْمَ الله، فلم يُجِبْ؛ لِعُتُوِّهِ وأَمَانِهِ، فَرَمَاهُ والِدُنا ¥ فأَصَابَهُ وَسَقَطَ إلى دَاخِلِ البيت يَنْضَحُ دَماً، وكانَ فَوْقَ شُرُفَاتِ البيت، فانْقَضَّ السوقُ بمَنْ فيه، وهم أُلُوْفٌ، ومَاجُوا مَوَجَاناً رَائِعَاً، وانْكَسَرَ أهْلُ الجَمْعِ ومَنْ في السُّوْقِ من ضَعَفَةِ القُلُوْبِ هَارِبِينَ هَائِمِيْنَ، وأمَّا أَهْلُ البَأْسِ والنَّجْدَةِ فإنَّهم فزعوا إلى سِلاحِهِمْ وبَنَادِقِهِمْ لا يُسْمَعُ إلا صَكْصَكَةُ الْمَعَابِرِ وقَلْقَلَةُ السِّلاحِ، وانْحَازَتْ كلُّ طَائِفَةٍ لِتُقَاتِلَ عن أنفسها؛ لأنَّ الأَمَانَ قد انْتَقَضَ، وأَيْقَنُوا بِسَفْكِ الدِّماءِ وإِثَارَةِ الدَّهْمَاءِ، وهو ¥ مكانه لا يَفْزَعُ ولا يَجْزَعُ، بل قَدْ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ سُرُوراً بانْتِكَاسِ بَاطِلِهم، وتَكَلَّلَ جَبِيْنُهُ نُوْراً بارْتِكَاسِ طَاغُوْتِهِمْ،