سورته وعزيمته ¥
  ووَصَلَ إليه بَعْضُ رُؤَسَائِهِمْ يُعَاتِبُهُ قائلاً: يا سَيِّدي، الله المستعان. فَضَرَبَهُ سَلامُ اللهِ عَلَيْهِ بِمُؤَخَّرِ البُنْدُقِ فأَلْقَاهُ على وَجْهِهِ مُعَفَّراً، وتَقَلَّبَ ذلك الرَّئِيْسِ بينَ الْمَلأ؛ لما أَسْلَفْتُ لكَ أنه على مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، ثم نَادَاهُمْ: يا أَعْدَاءَ اللهِ، هَدَمْنَا طَاغُوْتَكُمْ لِهَدْمِكُمْ حُكْمَ اللهِ تَعَالى.
  ثم عَادَتْ الأمُوْرُ إلى أحسنِ حَالٍ، وآلَتْ إلى خَيْرِ مَآلٍ، وحَمَلَتْهُمْ شِيْمَتُهُمْ العَلِيَّةُ وطَبَائِعُهُم الْهَمْدَانِيَّةُ على تَجْلِيْلِ ابْنِ رَسُوْلِ الله ÷، والانْقِيَادِ لِحُكْمِ اللهِ، والامْتِثَالِ لِأَمْرِ اللهِ، فَتَوَجَّهُوا إليه وَعَجُّوا، وقَصَدُوْهُ بِقَضِّهِمْ وقَضِيْضِهِمْ، وأَلْقَوا بَنَادِقَهُمْ إليه وما عَلَى رُؤُوْسِهِمْ وأَرْدِيَتَهُمْ بينَ يَدَيْهِ، وقَالُوا: نَحْنُ خَدَمُكُمْ أوْلادَ رَسُوْلِ اللهِ وَلَوْ تَلِفَتْ أَرْوَاحُنا في رِضَاكُمْ لَكَانَ قَلِيْلاً عِنْدَ اللهِ، وأَنْشَدَ لِسَانُ حَالهم:
  رَضِيْنَاكَ للدُّنْيا وللدِّيْنِ فَارْتَفِعْ ... عَلى النَّجْمِ مَسْمُوْعَاً لَكَ الأَمْرُ والنَّهْيُ
  وهو يَقُوْلُ: لَيْسَ مَقْصَدُنا كَما عَلِمُ اللهُ إلاَّ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللهِ، وإِمْضَاءَ حُكْمِ اللهِ. وهذا أَمْرٌ هَائِلٌ لو تَصَدَّرَ له أحَدُ الدُّوَلِ ونَصَرَتْهُ القَبَائِلُ، فجَنَّدَ الجُنُوْدَ وَصَفَّ الأَلْوِيَةَ والبُنُوْدَ لَمَا تَمَّ له على هذا الوَجْهِ، ولكِنَّهُ تَأْييدٌ إلهي وَصُنْعٌ رَبَّاني.
  وكَمْ له من مَقَاماتٍ أَعْلى بها حُجَّةَ الله، وأحيا بها كَلِمَةَ اللهِ، تُشَابِهُ مقامات آبائه الهداة؛ فلا غَرْوَ فَسلَفُهُ الوصيُّ وزَيْدُ بنَ عَلي ومحمَّدُ