النسيم العلوي والروح المحمدي،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

تواضعه ¥

صفحة 27 - الجزء 1

  مَعْشَرٍ مُسْتَمِرٍّ، فإذا أَتْمَمْناهُ يقولُ: امْضِ مَكَانَكَ، فلَقَدْ كُنْتُ أَرْقُبُهُ فإذا هو بَعْدَ أنْ نَتَفَرَّقَ من عِنْدِهِ يخرُجُ إلى مُصَلَّاه فَيَتَوَضَّأُ ثم يَقْطَعُ لَيْلَهُ بالصَّلاةِ ومُنَاجَاةِ اللهِ حتى يَغْلِبَنِي النَّوْمُ فأَذْهَب.

تَوَاضُعُهُ ¥

  وأما تَوَاضُعُهُ: فكَانَ ¥ حَسَنَ الأَخْلاقِ، حُلْوَ المذَاقِ كَثِيْرَ الإرْفَاقِ، طَلْقَ الْمُحَيَّا، طيِّبَ الابْتِسَامِ، مُشْرِقَ البِشْرِ، لازِمَ الذِّكْر، دَائِمَ الفِكْرِ، يَتَعَطَّفُ على الأيْتَامِ، ويَتَلَطَّفُ بالأَجَانِبِ والأَرْحَامِ، في غَايَةِ الشَّفَقَةِ، ونِهَايَةِ الرَّحْمَةِ والرِّقَّةِ، يَتَحَنَّنُ على القَرِيْبِ والبَعِيْدِ، ويَتَرفَّقُ بالأَحْرَارِ والعَبِيْدِ.

  ولَعَمْرُ اللهِ إنَّ لَهُ أفْعَالاً لا تَصْدُرُ من مِثْلِهِ على جَلالَةِ قَدْرِهِ، وعِظَمِ مَحَلِّهِ، إلا أنه كان ¥ شديد الوَطْأةِ على أعْدَاءِ الله، ثَقِيْلَ الشَّكِيْمَةِ على العُتَاةِ، فلهذا كان يَنْفِرُ عنه ويَحْذَرُ الأَغْلَبُ من العُصَاةِ؛ لأنَّه لا يُبَالي إذا كَانَ الأَمْرُ للهِ بالكَبِيْرِ والصَّغِيْرِ، ويُسَوّي في ذلك بين المأمور والأمير، والغنيّ والفقير، ليس عنده هوادَةٌ في دِيْنِ الله، ولا موادَّة على مَعْصِيَةٍ الله لِعَدُوٍّ ولا صَدِيق، ولا قَرِيب ولا سَحِيْق.

  ولقد كان ¥ مع شَفَقَتِهِ على وَلَدِهِ وإحْسَانِهِ إليه - فإنه كانَ أكْرَمَ اللهُ مَثْواهُ وأَعْظَمَ لديه جَزَاهُ يُؤْثِرُهُ على نَفْسِهِ - إذا رَأَى تَرَاخِياً في قَضَاءِ دَيْنٍ، أو اسْتَنْكَرَ تَوَانِياً عن قِيَامٍ بواجِبٍ، يُقَرِّعُه ويُوَبِّخُهُ، ويَكَادُ يَبْطِشُ به لولا الاعْتِذار، ولا نُطَوِّلُ في هذا، فحَالُهُ فيه ¥ مَعْلُومٌ كالشمس، لا شكَّ فيه ولا لبس.