وفاته ¥
  وطَلَبْتُ مِفْتَاحَهُ فقيل لي: إنه الآن لم يَتَمَيَّزْ». فَدَاخَلَنا من الغَمِّ والحُزْنِ ما الله عَالمٌ به، ثم إنه قال: «الله خليفتي عليكم، أوْصِيكم بتقوى الله، والمسارعة إلى طاعته، وأَمَّا لقاء الله فإني مُسْتَبْشِرٌ به مُرْتَاحٌ إليه» وخَاطَبنا بكلامٍ كثيرٍ هذا مَعْنَاه.
  هذا، وهو لم يُقْعِدْهُ عن القيام ولم يُضْعِفْهُ عن المشي لِمَا أراد، ثم إنه بعد أيَّام انْقَطَعَ بالكلِّية عن الطعام؛ فأقْلَقَنا ذلك، وبادَرْنا بالأوصاف المستعملة له، وحَصَلَ بحمْدِ الله إليه كلّ ما يمكن من أنواع المأكول والمشروب، فلم يتناول شيئاً، ولما رأى شِدَّة وَجَلِنا وعِظَمَ فَزَعِنَا من عَدَمِ تناوله لشيء قال: «هوِّنوا على أنفسكم إن الله يُطعم المريضَ ويَسْقِيْهِ، وهذا أَمْرٌ بيد الله، والله إني لا أُرِيْدُ طعاماً ولا شراباً» حتى إنه قال: «إني في هذه الليلة قَدْ أَكَلْتُ وشَرِبْتُ؛ الحمد لله».
  ولبث على هذا الحال قدر أربعين يوماً؛ وهو يقومُ ويختَلِفُ في المكان كأنه لم يمسّه أَلَمٌ ولم يَعْتَرِهِ سَقَمٌ، وكان أعظم ما يشقّ عليه إذا أصابَتْه نجاسة، فلطف الله به، ما أَعْلَمُ أنه في هذه المدَّة وقع في ثيابه أو بَدَنِهِ نجاسة، فكان يقوم لحاجته، وقد حَارَتْ عُقُوْلُنا في اسْتِطاعَتِه على الكلام فَضْلاً عن المشي والقيام؛ لما هو فيه من الألمِ وانْقِطَاعِ الطَّعام.
  ولم يزل يتوارد إليه الإخوان - كثّر الله سَوَادَهم، ويَسَّرَ مُرَادَهم، ورعى عهدهم وحَفِظَ وِدَّهم، وجزاهم عن عترة نبيهم