[الباب الثامن] في ذكر الحج وهو يشتمل على صفة حج إبراهيم الخليل ومحمد المصطفى صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم
  عَرَفَةَ فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقُصْوَى، فَرحلتْ لَهُ، فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُ دَمَ رَبِيعَةَ بنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ مُسْتَرْضعاً فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلَّهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَاتِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلاَّ يُوطِينَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضَلُّوا مِنْ بَعْدِي إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْهُ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِأُصْبِعِهِ السَّبَّابَةَ فَرَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَبَطْنُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثاً».
  ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ وَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهَمُا، ثُمَّ رَكِبَ رسول الله ÷ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقُصْوَى إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
  فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيْلاً ثُمَّ غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةُ بن زَيْدٍ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُوْلُ اللَّهِ ÷ وَقَدْ شَنَقَ الْقُصْوَىَ بِالزِّمَامِ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيْبُ مُوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُوْلُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِيْنَةَ السَّكِيْنَةَ»، وَكُلَّمَا أَتَى عَلَى حَبْلٍ مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى