[ادعاء صاحب الرسالة أن الدعاء عند القبر من كيد الشيطان، والجواب عليه]
  وَقَالَ يَومَ الدَّارِ - فِيْمَا رَوَاهُ الوَاقِدِيُّ - لِبَنِي هَاشِمٍ(١): (إِنَّ القَوْمَ عَادَوْكُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ ÷ عَدَاوَتَهُمْ إِيَّاكُمْ في حَيَاتِهِ، وَلَا وَاللَّهِ يُنِيبُونَ إِلَّا بِالسَّيْفِ).
  ثُمَّ تَجَاوَزَ بِهُمُ الْحَدُّ إِلى قَصْدِ إِبَادَتِهِمْ، وَلِذَا قَالَ عَلِيٌّ: (وَدَّ مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ نَافِخُ ضَرَمَةٍ)(٢)، مِصْدَاقَ قَوْلِهِ ÷: «إِنَّ عِتْرَتِي سَتَلْقَى مِنْ أُمَّتِي قَتْلًا وَتَشْرِيدًا»(٣).
  فَقَتَلُوهُم وَشَرَّدُوهُم، فَبَعْضٌ شُرِّدَ إِلَى الْجِيْلِ وَالدَّيْلَمِ، وَبَعْضٌ إِلَى اليَمَنِ، وَكَأَنَّهُ لِقَوْلِهِ ÷: «إِذَا حَلَّت الفِتْنَةُ بِأَرْضِ الشَّامِ فَعَلَيْكُمْ بِأَرْضِ اليَمَنِ»(٤)، فَوَجَدَتِ الْعِتْرَةُ شِيْعَةً نَصَرُوهُمْ، وَقَامُوا بِحَقِّهِمْ مِنَ الإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيْمِ لأَحْيَائِهِم وَأَمْوَاتِهِم، وَلَا زَالَ السَّلَاطِيْنُ يُحَارِبُونَهُم، وَيُبَالِغُونَ فِي قَصْدِ
(١) انظر: (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد (٩/ ٥٤).
(٢) قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث والأثَر) (٢/ ٨٠٣): «الضَّرَمَةُ - بالتَّحريك -: النارُ. وهذا يُقال عندَ الْمُبَالغةِ في الْهَلَاك؛ لأَنَّ الكَبِيْرَ وَالصَّغِيرَ يَنْفُخَانِ النَّارَ. وأضْرَمَ النارَ إذا أَوْقَدَها». وقال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) (١٩/ ١٢٩): «وما بالدار نافخُ ضَرَمَة، أي: ما بها أحد». قلت: وهذا الأثر ذكره عن أمير المؤمنين # كثير من أهل اللغة وغريب الحديث والمعاجم والتواريخ، منهم: ابن قتيبة في (عيون الأخبار) (١/ ١٨٠ - ١٨١)، والمسعودي في (مروج الذهب) (٣/ ٢٨)، وابن الأثير في (النهاية) (٢/ ٨٠٣)، والزمخشري في (الفائق) (٢/ ٣٣٨) والميداني في (مجمع الأمثال) برقم (٣٨٤٨)، وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) (٥/ ٢٢١) و (١٩/ ١٢٩)، وابن منظور في (لسان العرب) (٣/ ٦٣)، والثعالبي في (ثمار القلوب) (ص/٥٨٨) رقم (٩٧٤)، وغيرهم.
(٣) رواه الحاكم في (المستدرك) (٤/ ٥٣٤)، رقم (٨٥٠٠) بلفظ: «إنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ مِنْ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَتْلًا وَتَشْرِيْدًا ...»، وقال: «حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ».
ورواه ابنُ أبي عاصم في كتاب (السنة) (٢/ ٦١٩)، رقم (١٤٩٩)، والحاكم في (المستدرك) (٤/ ٥١١) رقم (٨٤٣٤)، - واللفظ له - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ¥، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ÷ فَخَرَجَ إِلَيْنَا مُسْتَبْشِرًا يُعْرَفُ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَمَا سَأَلْنَاهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ، وَلَا سَكَتْنَا إِلَّا ابْتَدَأَنَا، حَتَّى مَرَّتْ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فِيهِمُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، فَلَمَّا رَأَىهُمُ الْتَزَمَهُمْ وَانْهَمَلَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ سَيَلْقَى أَهْلُ بَيْتِي مِنْ بَعْدِي تَطْرِيدًا وَتَشْرِيدًا فِي الْبِلَادِ». ورواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنَّف) (٢١/ ٣٣٦)، برقم (٣٨٨٨٢)، وابنُ ماجه في (السُّنَن) برقم (٤٠٨٢).
(٤) انظر: (نثر الدر المكنون من فضائل اليمن الميمون) للسيد محمد بن علي الأهدل (ص/٦٨)، ط: (الدار اليمنية).