الأدب الثالث: [في الصدق]:
  قيل: إن ابن عباس ¥ سأل عمر أن يكون صاحباً له فأجابه إلى ذلك، وشرط عليه شروطاً ثلاثة وهي: «أن لا يكذبن عنده، ولا يذم أحداً، ولا يفشي له سراً» , وهذه الشروط اشترطها بعض الملوك على بعض السادة وقد سأله ذلك فقال له: «اشترط عليك ما شرط عمر على ابن عباس» وعددها له، وعن علي #: «إياك ومصادقة الكذاب؛ فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد، ويبعد عنك القريب»(١).
[خصال الكذب المذمومة]:
  وفيه خصال مذمومة وسجايا غير محمودة: منها: أنه محرم إجماعاً، مدعوّ على فاعله في القرآن الكريم قال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ١٠}[الذاريات] والخَرَّاصُ: الكذاب، وقال تعالى: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران: ٦١].
  ومنها: أنه من دأب المنافقين المذمومين في القرآن المبين، ولهذا يعرف المنافق بالكذب، فعن ابن مسعود أن النبي ÷ قال: «اعْتَبِرُوا الْمُنَافِقِينَ بِثَلَاثٍ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ»(٢)، قال عبد الله: ونزل تصديق ذلك في كتاب الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ... إلى قوله: وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[التوبة: ٧٥ - ٧٧] الآية(٣)، لأنه روي أن ثعلبة الخشني قال: «لو آتاني الله مالاً تصدقت يا رسول الله»، فدعا له النبي ÷(٤) بالمال حتى صار له من المواشي ملء وادٍ، فأمر النبي ÷ مصدقه أن يأخذ
(١) ربيع الأبرار ونصوص الأخيار ج ١ ص ٤٠٥.
(٢) التفسير من سنن سعيد بن منصور ج ٥ ص ٢٦٢.
(٣) قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ٧٥ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ٧٦ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ٧٧}[التوبة].
(٤) من نسخة (ب).