مشاهد الفوائد وشواهد الفرائد،

أحمد بن عزالدين بن الحسن (المتوفى: 941 هـ)

الباب الثالث: فيما ينبغي معاملة الإمام به

صفحة 76 - الجزء 1

  فإذا كان كذلك قبح منك المكافأة، فالأحط درجة يقيل الأعلى منزلةً كالولد يغتفر ذلك من والده، والزوجة من زوجها، والأصغر من الأسن؛ لقوله ÷: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ»⁣(⁣١) ونحو ذلك، على أن من صبر وحلم واغتفر لمن هو مثله ومساوٍ له فذلك الأولى والأعلى، والله يحب ذلك ممن فعله، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٣٤}⁣[آل عمران]، قلت: ولعل هذه الآية الكريمة مطلقة غير مراد بها ظاهرها من العموم؛ فإن من تتبع مقامات السلف في هذا المعنى عرف اختلافها وأنها على حسب ما يقتضيه المقام، وحسب ما يعنّ من المقاصد الحسنة، ومن ذلك مقامان للحسن بن علي @ مختلفان حسب ما يقتضيه المقام:

  أحدهما: بينه وبين معاوية، وعتبة بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وقد أمروا له إلى المسجد ليسبّوه [هو]⁣(⁣٢) وأباه، ويؤذوهما بأنواع الأذى، [وينالوا]⁣(⁣٣) من أعراضهما الطاهرة، فقابلهم بأعظم مما نالوا منه، وسّكتهم وبكتهم، ولم يبق فضيحة ولا سوءة إلا نسبها إليهم، حتى قال لمعاوية: «وأنت يا معاوية لعنك رسول الله في مواطن كذا، ودعا عليك كذا، وأما أنت يا عمرو بن العاص فأنت من ألأم قريش حسباً، وأخبثهم منصباً، وأنت تنازع فيك خمسة من قريش! كل واحد منهم يدّعي أنك ابنه، وأنزل الله فيك: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ٣}⁣[الكوثر]؛ لما قمت خطيباً في قريش فقلت: أنا شانِئُ محمدٍ⁣(⁣٤) [÷]⁣(⁣٥)، وأما أنت يا عتبة وتوعدك إياي بالقتل فهلا قتلت الذي وجدت على فراشها»⁣(⁣٦)، ولم يقم


(١) المعجم الكبير للطبراني ج ١١ ص ٧٢.

(٢) من نسخة (ب).

(٣) في نسخة (أ): وتناولوا.

(٤) عن جابر عن محمد بن علي قال: «كان القاسم ابن رسول الله قد بلغ أن يركب الدابة، ويسير على النجيبة؛ فلما قبضه الله ø قال عمرو بن العاص: لقد أصبح محمد أبتر من ابنه، فأنزل الله ø: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ١} عوضاً ..» سيرة ابن إسحاق ص ٢٤٥.

(٥) من نسخة (ب).

(٦) تذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٧٢ - ١٧٤.