الباب الثالث: فيما ينبغي معاملة الإمام به
  منهم إلا وقد أظلم عليهم المجلس، فقال معاوية [شعراً](١):
  أمَرتُكم أمَراً فلَم تَسمْعُوا لَهُ ... وَقُلْت لَكُم: لَا تبعثُنَّ إلى الحَسن
  إلى أبياتٍ، فأجاب عليهم وراجعهم بذلك فلم يعرض عنهم؛ لأنه عرف أنهم أحقاء بما صدر إليهم، ولم يكن في ذلك الحال مفسدة تنشأ من ذلك، ولأنهم متجاهلون متعامون عمّا يجب له، وأمره عندهم كالشمس كما قال الأحوص بن محمد الأنصاري:
  إِني إِذا خَفِي الرجالُ وَجدتني ... كَالشَّمْسِ لَا تَخْفَى بكُلّ مكان
  وإنما غلب عليهم حبّ الدنيا والشقاوة، نعوذ بالله منها، ولأنهم من سخافتهم وانتفاء أديانهم اعتقدوا الرفعة على من هو - والله - أرفع منهم؛ بسبب ما نالوه من الحظ العاجل في الدنيا فعاملهم بمقتضى حالهم، فقاتل الله معاوية اللعين بن اللعين؛ [في](٢) إحضاره الغوغاء الجهلة العمين، لينتهكوا حُرمة سبط رسول رب العالمين، لكن ليس ذلك بأعجب من حربه أمير المؤمنين، وشرعه للعنه على المنابر مدة من السنين، وقتله من امتنع من سبه من المسلمين، وهيهات أن يهدم ذلك من سامي بنيانهم، أو يكدر من صافي بحرهم، وأين يقع ذم الذّام مع ثناء الملك العلام، وإنزاله فيهم آي القرآن التي فضلتهم على الأنام!؟
  وأحسن ما تمثل به فيهم وفيمن سبهم من الطغام قوله:
  تعَاطوا مَكَاني وَقد فتهم ... فَمَا أدركوا غير لمح الْبَصَر
  وَقد نبحوني فَمَا هجتهم ... كَمَا نبح [الْكَلْب](٣) ضوء الْقَمَر
  وقال آخر:
  مَا يَضُرُّ البَحْرَ أَمْسى زاخِراً ... أنْ رَمَى فِيهِ سَفيهٌ بِحَجَرْ
(١) من نسخة (ب).
(٢) في نسخة (ب): و.
(٣) في نسخة (ب): القلب.