الأدب السابع: [في] الأمانة:
  أخرجت للناس: «يَا أَشْبَاهَ الرّجَالِ وَلَا رِجَالُ ... إلى أن قال: لَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ»(١) أي شيء أعظم من هذا أن ينفي ~ الرجولية عنهم؛ لما حمله على ذلك ما حمله، ولم يعظم هذا في صدورهم ولا عدّوه جريمة، بل وأعجب من ذلك أن عمر كان يضرب أصحابه بالدّرّة(٢)، والإمام مالك للتصرف فلا حرج إذا صدر منه ما يصدر من المالك.
الأدب السابع: [في] الأمانة:
  وهذا الأدب هو واسطة عقد [هذه](٣) الآداب، وشأن من وفقه الله لمقتضى السنة والكتاب، وليست الخيانة شنشنة إلا لمن قلَّ حياؤه، عن النبي ÷ أنه قال: «تَكَفَّلُوا لِي سِتًّا وَأَتَكَفَّلُ لَكُمْ الْجَنَّةِ: إِذَا حَدَّثْتُمْ فَلَا تَكْذِبُوا، وَإِذَا وَعَدْتُمْ فَلَا تُخْلِفُوا، وَإِذَا ائْتُمنْتُمْ فَلَا تَخُونُوا، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ»(٤)، وهي أعلى معالي الأمور الدينية والدنيوية، وأبلغ ما يتحلى به أهل الدين، وترفع صاحبها إلى أعلى عليين، وتصلح حاله في دينه ودنياه وعند إمامه؛ لإتيانه بما أوجبه الله عليه، وكفّه عن تناول الحرام واكتساب المال من غير وجهه، وأي شيء أعظم من تناول الحرام وخيانة الإمام، لعن الله من أؤتمن فخان، وإنها من أعظم الذنوب التي يشق الخلاص منها، ويتعسر الانفكاك عنها؛ لأن ما كان بين العبد وربه فباب التوبة مفتوح، ومن تاب كان كمن لا ذنب له.
  وأما ما يتعلق بالناس كالأموال، والأروش، والجنايات، والأعراض فلا تكفي فيه التوبة، ولهذا قال بعض الصالحين(٥): «إِنْ لَقِيتَ اللَّهَ بِسَبْعِينَ ذَنْبًا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ تَعَالَى، أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ أَنْ تَلْقَاهُ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ
(١) الفتوح لابن أعثم ج ٤ ص ٢٣٧.
(٢) تاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ٨٧٩.
(٣) من نسخة (أ).
(٤) مسند الشهاب القضاعي ج ١ ص ٢٧٢.
(٥) الفقيه سفيان الثوري، المتوفى سنة ١٦١ هـ.