الباب السادس في فضل الحسن والحسين @ وما يتصل بذلك
  خَرَجْتُ مَعَ جَابِرِ بْنِ عبدالله الْأَنْصَارِيِّ زَائِرَيْ قَبْرِ الْحُسَيْنِ #، فَلَمَّا وَرَدْنَا كَرْبَلَاءَ دَنَا جَابِرُ مِنْ شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ، ثُمَّ ارْتَدَى بِآخَرَ، ثُمَّ فَتَحَ صُرَّةً فِيهَا سُعْدٌ، فَنَثَرَهُ عَلَى بَدَنِهِ، ثُمَّ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى حَتَّى دَنَا مِنَ الْقَبْرِ، فَقَالَ: يَاعَطِيَّةُ؛ أَلْمِسْنِيهُ، فَأَلْمَسْتُهُ، فَخَرَّ عَلَى الْقَبْرِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَرَشَشْتُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: يَا حُسَيْنُ؛ يَا حُسَيْنُ؛ يَا حُسَيْنُ؛ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: حَبِيبٌ لَا يُجِيبُ حَبِيبَهُ، ثُمَّ قَالَ: أنَّى لَكَ بِالْجَوَابِ وَقَدْ شَخَبَتْ أَوْدَاجُكَ عَلَى أَشْبَاحِكَ، وَفُرِّقَ بَيْنَ بَدَنِكَ وَرَأْسِكَ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ خَيْرِ النَّبِيِّينَ، وَابْنُ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ، وَابْنُ حَلِيفِ التَّقْوَى، وَسَلِيلُ الْهُدَى، وَخَامِسُ أَصْحَابِ الْكِسَا، وَابْنُ سَيِّدِ النُّقَبَاءِ، وَابْنُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، وَمَا بَالُكَ أَلَّا تَكُونَ هَكَذَا وَقَدْ غَذَّتْكَ كَفُّ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَرَبَيْتَ فِي حُجُورِ الْمُتَّقِينَ، وَأُرْضِعْتَ مِنْ ثَدْيِ الْإِيمَانِ، وَفُطِمْتَ بِالْإِسْلَامِ، فَطِبْتَ حَيًّا وَطِبْتَ مَيِّتًا، غَيْرَ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ لِفِرَاقِكَ، وَلَا شَاكَّةٌ فِي الْخِيرَةِ لَكَ، فَعَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ وَرِضْوَانُهُ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا.
  قَالَ عَطِيَّةُ: ثُمَّ جَالَ بِبَصَرِهِ حَوْلَ الْقَبْرِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَّتُهَا الْأَرْوَاحُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَاءِ الْحُسَيْنِ، وَأَنَاخَتْ بِرَحْلِهِ، أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَبَدْتُمُ اللهَ حَتَّى أَتَاكُمُ الْيَقِينُ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا ÷ بِالْحَقِّ؛ لَقَدْ شَارَكْنَاكُمْ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ.
  قَالَ عَطِيَّةُ: فَقُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عبدالله: وَكَيْفَ وَلَمْ نَهْبِطْ وَادِيًا؟! وَلَمْ نَعْلُ جَبَلًا؟! وَلَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ؟! وَالْقَوْمُ فُرِّقَتْ بَيْنَ رُؤُوسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ(١) فَأُيْتِمَتِ الْأُولَادُ، وَأُرْمِلَتِ الْأَزْوَاجُ!.
  فَقَالَ لِي: يَا عَطِيَّةُ؛ سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللهِ ÷ يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ» احْدُرْ بِي نَحْوَ أَبْيَاتِ كُوفَانَ.
  قَالَ: فَلَمَّا صِرْنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ لِي: يَا عَطِيَّةُ؛ هَلْ أُوصِيكَ؟! وَمَا أَظُنُّنِي
(١) قال في هامش «ب»: صوابه: فُرِّقَ بَيْنَ رُؤُوسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ، أَوْ فُرِّقَتْ رُؤُوسُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ.