تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الحادي والعشرون في فضل المساجد وما يتصل بذلك

صفحة 391 - الجزء 1

  قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن برد، عن أبي هارون⁣(⁣١)، عن أبي سعيد الخدري:

  أَنَّ النَّبِيَّ ÷ قَالَ: «إِنَّمَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى ثَلَاثِ⁣(⁣٢) مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»⁣(⁣٣).

  ٥٠٤ - وبه قال: حدثنا أبو عبدالله أحمد بن محمد البغدادي، قال: حدثنا أبو القاسم عبدالعزيز بن إسحاق الكوفي، قال: حدثنا علي بن محمد النخعي، قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم المحاربي، قال: حدثنا نصر بن مزاحم الْمِنْقَرِي، قال:


(١) أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْحِمْصِيُّ الْكَلَاعِيُّ. وَبُرْدٌ هُوَ بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو الْعَلَاءِ الدِّمَشْقِيُّ. وَأَبُو هَارُونَ هُوَ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ الْعَبْدِيُّ.

(٢) أنث الثلاث اعتبارا بالبقعة. (هامش ....).

(٣) رواه تمام في فوائده ٢/ ٢٦٢ وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٣/ ١٢٥ وقد روي عن أبي سعيد من وجوه أخرى رواه الأمير الحسين # في الشفاء ١/ ٢٦٠ والإمام يحيى في الانتصار ٣/ ٥٦ وأبو يوسف القاضي في الآثار صفحة ١٩، وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ٤١٩/ ٣، والبخاري في صحيحه ٦٢/ ٢، وأحمد في المسند ٨/ ١٨، والبيهقي في السنن الكبرى ١٩٥/ ٥.

والمراد بالخبر ما ذكره الإمام مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي # في مجمع الفوائد ص ٤٩٩ في الرد على ابن الأمير في سبل السلام: وَيَكُونُ الْمَعْنَى فِيهِ: الْمُبَالَغَة، فَهْوَ مِنَ الْحَصْرِ الادِّعَائِيِّ، فَكَأَنَّ شَدَّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ كَلَا شَدّ، فَيَكُونُ لِنَفْيِ كَمَالِهِ فِي الْفَضِيلَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ؛ لِمَا سَيَأْتِي. ثَانِيًا: وَأَنَّهُ وَإِنْ فُرِضَ احْتِمَالُهُ لِلْنَّهْيِ، فَلَا اسْتِدْلَالَ بِمُحْتَمَل. ثَالِثًا: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْنَّهْيِ فَهْوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا إِلى الثَّلَاثَةِ، لَا أَنَّهَا لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ عَلَى الإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ لِمَا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى الْجِهَادِ، وَإِلَى الْهِجْرَةِ وُجُوبًا، وَإِلَى غَيْرِهِمَا جَوَازًا، هَذَا مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ ضَرُوَرَة.

وقَالَ أيضا في ص ٥٠١: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ: حَاشِيَةٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَنْوَارِ التَّمَامِ ٣/ ١٧٥: «وَشُدَّ الرَّحْلَ إِلَى زِيَارَتِهِ»، إلخ قَوْلُهُ: «وَشُدَّ الرَّحْلَ إِلَى زِيَارَتِهِ» إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ مَنَعَ شَدَّ الرَّحْلِ لِلزِّيَارَةِ؛ مُحْتَجًّا بِمَا رُوِي مِنْ قَوْلِهِ ÷: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ»، إلخ. وَهْوَ احْتِجَاجٌ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَالْبُعْدِ عَنْ فَهْمِ مَعْنَى الْخَبَرِ،

فَأَوَّلًا: لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَنْعَ شَدِّ الرِّحَالِ عَلَى الْعُمُومِ إلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ قَطْعًا وَإِجْمَاعًا؛ إِذْ هِيَ تُشَدُّ لِلْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ وُجُوبًا، وَلِلْكَسْبِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

ثَانِيًا: أَنَّهُ فِي صَدَدِ تَفْضِيلِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ؛ لِقَصْدِ زِيَارَتِهَا إِلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ، فَهْوَ فِي مَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَدَّ الرَّحْلُ إِلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ الشَّدَّ إِلَى غَيْرِهَا كَلَا شَدّ.