تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الثاني والثلاثون في الترغيب في اكتساب الخير وما يتصل بذلك

صفحة 493 - الجزء 1

  فَخْذًا مِنْهُ فَأَكَلَ وَأَطْعَمَنَا.

  فقال الناصر للحق رضوان الله عنه: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

  أَحَدُهَا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ}⁣[النحل: ٨]، وَقَالَ فِي الْأَنْعَامِ: {وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٥}⁣[النحل](⁣١).

  وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَهِيمَةَ إِذَا كَانَتْ تَكِيدُ بِنَفْسِهَا لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا.

  وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ ÷ أَفْصَحُ الْعَرَبِ؛ وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ: انْحَرِ الْفَرَسَ وَإِنَّمَا النَّحْرُ لِلْإِبِلِ⁣(⁣٢).


(١) روي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ، فَقَالَ: اقْرَأِ الَّتِي قَبْلَهَا: {وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٥}. {وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ} فَجَعَلَ هَذِهِ لِلْأَكْلِ، وَهَذِهِ لِلرُّكُوبِ. ذكره الطبري في جامع البيان ط هجر ١٤/ ١٧٤.

(٢) قال الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد ٦/ ٤٣٨: ويستدل على ذلك [أي التحريم] بقوله ø: {وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٥}⁣[النحل: ٥] الآية، ثُمَّ قال: {وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ}⁣[النحل: ٨]، فلما عدّ سبحانه النعم الَّتِي في الأنعام ذكر الأكل، ولما عدّ النعم الَّتِي في الخيل والبغال والحمير ذكر الركوب والزينة، ولم يذكر الأكل، فلو جاز أكلها لذكر الأكل؛ لأن جواز الأكل من عظيم النعم فلا يجوز أن يترك ذكرها مع ذكر سائر النعم، فدل ذلك على أنَّها لا تؤكل كالبغال والحمير. وقد ذكر نحو هذا الجصاص في أحكام القرآن ط العلمية ٣/ ٨٣٢ قال: وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ لُحُومَ الْخَيْلِ وتأول: {وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى حَظْرِ لُحُومِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأَنْعَامَ وَعَظَّمَ مَنَافِعَهَا، فَذَكَرَ مِنْهَا الْأَكْلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٥} ثُمَّ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَذَكَرَ مَنَافِعَهَا الرُّكُوبَ وَالزِّينَةَ، فَلَوْ كَانَ الْأَكْلُ مِنْ مَنَافِعِهَا وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَافِعِ لَذَكَرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنَافِعِ الْأنْعَام.