مسائل الخلاف بين المذاهب الإسلامية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

العقل وأحكامه

صفحة 20 - الجزء 1

  قالت العدلية في استدلالاتها على ما تقول:

  لا يشك أي عاقل حتى ولو لم يتدين بدين في أن فاعل العدل والإحسان يستحق المدح والثناء، وأن فاعل الظلم والعدوان يستحق الذم والمقت، وأن تطاول الزمان لا يغير هذا الحكم، وهذا أمر وجداني يجده العاقل مركوزاً في فطرته.

  ومن هنا فإنا لا نزال نسمع الثناء الجميل والوصف الحميد لرجالات عرفوا في صدر الإسلام بالعدل وحسن السيرة، ولا نزال نسمع اللعائن وسوء الذكر لرجالات في تلك العصور الغابرة، فلم تغير - كما ترى - مئات السنين من جدة وطراوة المدح أو الذم شيئاً.

  وقال أهل السنة في الجواب على ذلك: نحن نقول بأن العقلاء يستحسنون العدل ويستقبحون الظلم، غير أن ذلك إنما كان من أجل ملاءمة الطبع ومنافرته، ولا نزاع فيما كان كذلك، وحصول الذم والمدح إنما كان على حسب مجاري العادات، وحينئذ فالذي حكم بحسن المدح والذم هو العادات التي نشأت عليها الأجيال وليس العقل، ولا شك أن للعادات أحكاماً في هذا الباب.

  ألا ترى أن أمة من الناس تستحسن أكل الضب مثلاً بينما أمة أخرى تستقبح أكله، وما ذاك إلا من أجل العادة، وأمثلة ذلك كثيرة.