[ثالثا: الوعد والوعيد]
[ثالثًا: الوعد والوعيد]
١ - فصل: [والله تعالى لا يخلف الوعد ولا الوعيد]
  والله لا يخلف الوعد ولا الوعيد؛ لأن إخلافهما كذب، والكذب قبيح وعيب كبير يتنزه عنه أهل الشهامة والكمال ورفيعو النفوس وإن دعتهم الحاجة إليه؛ لأنه نقص في مقدارهم وكمالهم؛ فكيف بهذا الرب الغني الذي ليس بمحتاج؟! القوي الذي لا يعجزه شيء؟ وإنما يستخدم الكذب الضعيف الذي لا ينال غرضه إلا به، الذي ليس لنفسه ولا لعرضه عنده قيمة، أما الله فلو كان له غرض في طاعة عبيده فإنه يمكنه أن يستخدم طريقة غير هذه الطريقة الدنية المدنسة.
  انظر كيف فعل لما أراد أن يملأ الأرض سكانًا وحيوانات، جعل للذكر داعيًا إلى الأنثى، وللأنثى داعيًا إلى الذكر، داعيان عظيمان لا يتخلفان عنه وإن تحملا المشاق العظيمة، ولو كان له غرض في الطاعة وفي ترك المعصية لجعل لنا داعيًا إلى فعل الطاعات وترك المعاصي؛ ولكن لو فعل لما استحق المطيع الثواب والدرجات العظيمة.
  ولا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا؛ لكن قضت حكمته أن يجعل لنا قوانين لئلا يظلم بعضنا بعضًا بالقتل، أو اغتصاب مال، أو منع مواريث، أو انتهاك الحرم، أو بأذية أو غيبة، أو نحو ذلك، ورغبنا إذا امتثلنا، وحذرنا إذا عصينا، ولو تركنا بدون قانون لكان إهمالًا مخالفًا لما تقتضيه الحكمة والمصلحة. هذه الأدلة العقلية.