الأصول الثمانية،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[المحكم والمتشابه]

صفحة 34 - الجزء 1

  وأظهره ما لا شك فيه ولا مرية، وما شككت فيه رجعت إلى العلماء العاملين به، فقبلت من أقوالهم ما أيد الأصول، ولم ينقض ما جاءَ به الرسول، فإن كتاب الله لا يختلف علمه، وإنما بجهل من جهله اختلف عليه إذا لم يعلمه، وقد قال الله سبحانه: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ١٧ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ١٨}⁣[الزمر: ١٧ - ١٨] يريد العقلاء، ومعنى (يستمعون) يريد أهل الصفَةِ وهم العلماء، أقاويلهم يُتبع أجلاها وضوحاً وأوكدها لما تقدم تصحيحاً، فإن فاعل ذلك لا يزال مستفيداً، وللخير مريداً، وللباطل مُذِهباً، يحسن الظن فيما غاب، ويرد المتشابه إلى المحكم كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ٧}⁣[آل عمران: ٧]. فكن أكرمك الله من ذوي الألباب والعقول، الناظرين بعين الصواب، المتوقفين عن الشبه والارتياب، ليصح لك الحق من كل باب على بصيرة، وتأتيه من غير ريبة، لتصل إلى فتح كل باب إنه السميع الوهاب.