التفكر وفضله
  فكر في أثمان الجوارح والآلات التي أودعها الله فيك من يرضى بالدنيا وما فيها مقابل زوال عقله؟! ومن هنا نعلم عظم المعصية بالعقل من المكر والخداع والغدر وغير ذلك، وكذلك نعمة البصر فلو يعطى أفقر الناس في بصره ملايين القناطير من الذهب والفضة لاستخف بعقل من يعرض له ذلك، فعند ذلك نعلم عظم المعصية بالعينين، وشكر هذه النعم ألَّا تعصي الله بشيء من ذلك.
  انظر اللسان وما أودع الله فيه من الأسرار البالغة، فبه تصيغ الكلام، وبه تفرق بين المطعومات والمشروبات على كثرة أنواعها، وبه تعرف ما شوقك الله إليه من ذلك في جنات النعيم، فلولا اللسان لما وجدَ فرق في أسعار المطعومات وكذلك المشروبات ولم يكن للعسل مثلًا فضل على غيره، وكذلك اللحم والسمن وغير ذلك، ولولا اللسان لما بلغت الرسل À رسالات الله إلى البشر. وكم أودع الله في هذه الآلة من المنافع، ومن هنا قال المصطفى ÷: «وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم» لأجل نعمة الله بهذه الآلة.
  كذلك آلة الشم، فلولا هذه الآلة العجيبة لما بلغت الأثمان ما بلغت في العود ودهن العود والعنبر والمسك، وكم عالَم يعيشون في العطور وأنواع البخور، وصدق الله العظيم حين يقول: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ ٣٤}،