الحمد لله
  قلت: لا يا سيدي. قال: حرقت كريمته بالغاز حتى العورة، وقد أسعفوها إلى المستشفى في أسوأ حالة. فلما سمعت ذلك منه كأنه نعشني بسلك كهرباء وتصورت أسرتي جميعا النساء والبنات والأولاد وهم يترددون في المطبخ مع وجود الغاز وبثياب النايلون فوقهم ولعب الأطفال بالولاعات والأكياس الحارقة وغير ذلك، وكم قد مضى علي وعليهم من الزمان والله لنا حافظ، وما فكرت في هذه المصيبة قبل سماعي لكلامه في ذلك اليوم، فكأنه عرف ذلك في وجهي وتغير شعوري، فلا زال طوال الجلسة يردد إلي نظره وأنا ساكت، وكلما تكلم مع الآخرين التفت مصوبا نظره إلي، وفي الأخير قال: أتدري لأي شيء أخبرتك بقصة هذه المحروقة؟ قلت: لا يا مولاي. قال: لأني التمست في وجهك الهم، فأردت أن أخبرك بما هو أهم وأشد مما أنت فيه؛ لتهون بليتك عليك. فلا زال الخوف من ذلك اليوم ملازمًا لقلبي من هذه المصيبة، وأذكر نعمة الله علي وعلى أسرتي بالسلامة من الحريق، كيف لو حرقت الزوجة أو البنت أو الولد الصغير أو غير ذلك، فلله الحمد على نعمه التوام وآلائه العظام.
  ومن حكمه ونظراته السديدة: أني صحبته يوما إلى مزرعة بعض الإخوان في وقت خريف، فأخذ في يده الكريمة عنقودًا من العنب البياض فوقعت قطعة من العنقود إلى الأرض بين العلف فتتبع كل حبة من العنب حتى غلب في ظنه أنه لم يبق بين العلف