باب وجيز في التوحيد
  وكيفيات تحد بها فجميع ما في الكون من السماء والأرض وما بينهما يعرفه العقل بالتصور والتوهم فلا شيء موجود وسواء كان شاهداً أو غائباً، جماداً أو حيواناً أو نباتاً إلا وله ارتباط بالتصور والتوهم؛ لأن كل شيء من ذلك له حدود ومقادير يعلم بها.
  فالسماء مثلاً لها حدود وصفات تعلم بها فلها حد من جهة الناظر إليها كان يمكن أن يزاد فيها فتكون أقرب إلينا مما كانت عليه، ولها حد من جهة فوق تنتهي إليه، وكونها كالبيضة حاضنة لكل ما انطوت عليه هي صفة من صفاتها، وكونها زرقاء موافقة للأبصار كذلك، فالسماء قبل وجودها وقبل خلقها يمكن للعقول أن تتوهمها وتصورها؛ لأنها مخلوقة لخالق إذا وجدت ومصنوعة لصانع إذا صنعت فالتفكر فيها والتصور والتوهم لها قبل وجودها ليس بمحال؛ لأنه شيء ممكن، وعلى ذلك فقس بقية المخلوقات ما قد وجد منها وما لم يوجد.
  انظر في الشمس وفي صفاتها كونها مثل الكرة وكونها مشعة صافية كان يمكن أن تكون أكبر أو أصغر مما هي عليه، وأن تكون مربعة أو مثلثة أو مخمسة كالنجمة أو تكون مستطيلة، وكان يمكن أن تكون حمراء خالصة أو صفراء أو زرقاء أو وردية أو غير ذلك من الصفات، فالشمس وجميع أوصافها يمكن أن يتوهمها ويتصورها أصحاب العقول قبل وجودها وما ذلك إلا لكونها مصنوعة من قبل صانع، وكان يمكن أن تكون قريبة منا أو بعيدة وسريعة في مضيها أو بطيئة وكل ذلك دلائل الحدوث