الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك
  وَقَوْلُهُ #: (لَمْ تَنَلْهُ مَقَايِيسُ الْمُقَدِّرِينَ) مَعْنَاهُ: أَنَّ تَقْدِيرَ مَنْ يُقَدِّرُ فِيهِ بِقِيَاسِهِ أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِخَلْقِهِ وَمَوْصُوفٌ بِالتَّحْدِيدِ وَالتَّمْثِيلِ، فَقِيَاسُهُ فَاسِدٌ بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا قَدَّرَهُ.
  وَقَوْلُهُ #: (وَلَا أَدْرَكَتْهُ تَصَارِيفُ الِاعْتِبَارِ فَأَوْجَدَتْهُ سُبْحَانَهُ مَحْدُودًا) مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ يَعْتَبِرُ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، فَاعْتِبَارُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ الصَّحِيحَ لَا يُثْبِتُهُ مَحْدُودًا مُشَبَّهًا بِخَلْقِهِ، بَلْ شَوَاهِدُهُ تَقْضِي بِخِلَافِهِ كَمَا قَالَ #.
  ٣٥٨ - وبه قال: أخبرنا أبي |، قال: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن سلَّام، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثني جعفر بن عبدالله المحمدي، قال: أخبرنا فرح بن قرة(١)، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده $:
  أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ # شَيَّعَ جَنَازَةً فَلَمَّا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ عَجَّ أَهْلُهُ وَبَكَوْا، فَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ #، فَقَالَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَدَمَيْهِ: (عَلَى مَنْ تَبْكُونَ؟ أَمَا وَاللهِ لَوْ عَايَنْتُمُ مَا عَايَنَ مَيِّتُكُمْ لَأَذْهَلَتْكُمْ مُعَايَنَتُكُمْ عَنِ الْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للهِ أَحْمَدُهُ، وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَسْتَهِدِي اللهَ الْهُدَى، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
  وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ، وَجَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعًا لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا، وَأَبْصَارًا لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا، وَأَفْئِدَةً لِتَفْهَمَ مَا دَهَاهَا، فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَمُدَدِ عُمُرِهَا، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، وَلَمْ يُمْهِلْكُمْ سُدًى، وَلَمْ يَضْرِبْ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا، بَلْ أَكْرَمَكُمْ بِالنَّعَمِ السَّوَابِغِ، وَأَرْفَدَكُمْ بِالرِّفْدِ الرَّوَافِدِ، وَأَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ، وَأَرْصَدَ لَكُمِ الْجَزَاءَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.
(١) في بعض النسخ: فرج بن فردة، وفي بعضها: فرح بن فروة، تعديل فوق كلمة الأصل التي كانت قرة: والصحيح فرج أو فرح بن قرة، وهو ابن أبي فروة. وقد تقدم ذكره بكنيته وهي أبو روح راوي خطبة الإمام المهدي محمد بن عبدالله النفس الزكية $ عن مسعدة بن صدقة. وقد روى له الشريف علي بن محمد بن عبيد الله العباسي العلوي. (سيرة الإمام الهادي إلى الحق ٣٣).