تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

صفحة 302 - الجزء 1

  حَدَّثَنَا مَنْ حَضَرَ خُطْبَةَ عَلِيٍّ # الَّتِي تُسَمَّى الْغَرَّاءُ، خَطَبَ بِهَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، فَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَنْ قَالَ: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ، وَلَا تَحُوزُهُ الْمَشَاهِدُ، وَلَا تَرَاهُ النَّوَاظِرُ، وَلَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ، الَّذِي عَلَا بِكُلِّ مَكْرُمَةٍ، وَبَانَ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ، وَجَلَّ عَنْ شَبَهِ الْخَلِيقَةِ، وَتَنَزَّهَ عَنِ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ، وَصَدَقَ فِي مِيعَادِهِ، وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ، وَقَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ، وَعَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ فِي قِسَمِهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ، الَّذِي لَمْ يَتَنَاهَ فِي الْأَوْهَامِ بِتَحْدِيدٍ، وَلَمْ يَتَمَثَّلْ فِي الْعُقُولِ بِتَصْوِيرٍ، وَلَمْ تَنَلْهُ مَقَايِيسُ الْمُقَدِّرِينَ، وَلَا اسْتَخَرَجَتْهُ نَتَائِجُ الْأَوْهَامِ، وَلَا أَدْرَكَتْهُ تَصَارِيفُ الِاعْتِبَارِ، فَأَوْجَدَتْهُ⁣(⁣١) سُبْحَانَهُ مَحْدُودًا، وَلَا شَخْصًا مَشْهُودًا، وَلَا وَقَّتَتْهُ الْأَوْقَاتُ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الْأَزْمَانُ وَالْغَايَاتُ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ حَالٌ فَيَجْرِيَ عَلَيْهِ الزَّوَالُ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ عَظِيمٍ عَظُمَ أَمْرُهُ، وَمِنْ كَبِيرٍ كَبُرَ قَدْرُهُ، لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ عَلَيْهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيدًا، وَلَا بِذِي عِظَمٍ الْتَحَقَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيمًا، عَلَا عَنِ التَّجْسِيمِ وَالتَّجْسِيدِ وَالتَّصْوِيرِ وَالتَّحْدِيدِ عُلُوًّا كَبِيرًا، شَوَاهِدُهُ بِذَلِكَ قَائِلَةٌ، وَأَحْكَامُهُ فِيهِ فَاصِلَةٌ، قَدْ هَجَمَتِ الْعُقُولُ عَلَيْهَا بِدَلَالَتِهَا، فَظَهَرَ لَدَيْهَا تِبْيَانُ حِكْمَتِهَا حَتَّى جَلَّتْ عَنِ الْمُرْتَابِينَ التُّهَمُ وَكَشَفَتْ عَنْهُمُ الظُّلَمُ⁣(⁣٢).

  قال السيد الإمام أبو طالب الحسني ¥: مَعْنَى قَوْلِهِ #: (لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ): أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُدْرَكُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ، وَأَصْلُ الشَّاهِدِ بِالْحُقُوقِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: عَرَفْتُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ.

  وَقَوْلُهُ: (لَمْ يَتَنَاهَ فِي الْأَوْهَامِ بِتَحْدِيدٍ) مَعْنَاهُ: أَنَّ مَا يَقَعُ فِي الْأَوْهَامِ مِنْ صِفَاتِ الْمَحْدُودِينَ فَاللهُ مُخَالِفٌ لَهُ وَمُنَزَّهٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْدُودٍ.


(١) فَوَجَدَتْهُ. نسخة. (هامش «ب»).

(٢) رواها في نهج البلاغة ص ٢٦٩ والتعليق الوافي على الشافي ٣/ ٦٢٠ والمنتزع المختار ص ٣٠ وشرح نهج البلاغة ١٣/ ٤٤ وأعلام الدين في صفات المؤمنين، للحسن بن محمد الديلمي ص ٦٧ والاحتجاج لأحمد بن علي الطبرسي ١/ ٣٠٥ ونهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ١/ ٥٨٧.