تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

صفحة 316 - الجزء 1

  قُدْرَتِهِ وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ، وَاعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهُمْ بَلِيغُ تَقْوِيَتِهِ، مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَيْنَا عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ تُحِطْ بِهِ الصِّفَاتُ فَيَكُونَ بِإِدْرَاكِهَا إِيَّاهُ بِالْحُدُودِ مُتَنَاهِيًا، وَمَا زَالَ هُوَ اللهُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ عَنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ مُتَعَالِيًا، وَانْحَسَرَتْ وَجَلَّ وَعَزَّ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ الْأَبْصَارُ فَيَكُونَ بِالْعَيَانِ مَوْصُوفًا، وَارْتَفَعَ عَنْ أَنْ تَحْوِيَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ فَهَاهَاتُ رَوِيَّاتِ الْمُتَفَكِّرِينَ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فَيَكُونَ بِالْخَلْقِ مُشَبَّهًا، وَمَا زَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَنْدَادِ مُنَزَّهًا، كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللهِ؛ إِذْ شَبَّهُوهُ بِأَصْنَافِهِمْ، وَحَلَّوْهُ بِحِلْيَةِ⁣(⁣١) الْمَخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهِمْ، وَكَيْفَ لِمَا لَا يَقْدِرُ قَدَرَهُ مِقْدَارٌ فِي رَوِيَّاتِ الْأَوْهَامِ لِأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تَحُدَّهُ أَلْبَابُ الْبَشَرِ بِتَفْكِيرٍ، وَهُوَ أَعَلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كُفُؤٌ فَيُشَبَّهَ بِنَظِيرٍ، فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ جَهْلِ الْمَخْلُوقِينَ، فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ إِفْكِ الْجَاهِلِينَ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِأَحَدِكُمْ؟! وَأَيْنَ يُدْرَكُ مَا لَا يُدْرَكُ؟! وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ)⁣(⁣٢).

  قال السيد الإمام أبو طالب الحسني ¥: مَا تَشْتَمِلُ هَذِهِ الْخُطْبَةُ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ عَجْزِ الْمَخْلُوقِينَ عَنِ الْمَعْرِفَةِ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى الْمُرَادُ بِهِ: الْعَجْزُ عَنْ مَعْرِفَةِ مَعْلُومَاتِهِ وَمَقْدُورَاتِهِ وَعَجَائِبِ صُنْعِهِ وَخَلْقِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَمَقَادِيرِ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَمَا اخْتَصَّ بِهِ تَعَالَى مِنْ عِلْمِ الْغُيُوبِ الَّذِي لَمْ يُطْلِعِ الْبَشَرَ عَلَيْهِ.

  ٣٦٧ - (حِكَايَةٌ) وبه قال: حكى أبو الحسين الزاهد صاحب أخبار الناصر للحق # أَنَّ أَصْنَافَ الرَّعِيَّةِ عَلَى طَبَقَاتِهِمُ ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ حِينَ دَخَلَ آمُلَ فَخَطَبَ خُطْبَةً، قَالَ فِيهَا:


(١) تَحْلِيَةَ الْمَحْلُولِينَ. نسخة.

(٢) رواه الشريف الرضي ¥ في نهج البلاغة ص ١٢٤ - ١٣٦، وابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ٤/ ١٩٦ والشهيد حميد بن أحمد المحلي ¥ في الحدائق الوردية ١/ ١٢٨ - ١٣٠ وابن أبي الحديد في شرح النهج ٦/ ٣٩٨، وأحمد بن محمد بن علي العاصمي في العسل المصفى ١/ ١٦٨، والصدوق في التوحيد ص ٤٨ - ٥٦ والحسن بن محمد الديلمي في أعلام الدين ص ١٠٣، والمحمودي في نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ١/ ٦١٢.