الباب السابع عشر في صلاة الجمعة وما يتصل بذلك
  خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ÷ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ؛ تُوبُوا إِلَى اللهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَأَكْثِرُوا الصَّدَقَةَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا.
  وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا فِي يَوْمِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا فِي عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدِي وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ(١) اسْتِخْفَافًا بِهَا أَوْ جُحُودًا لَهَا فَلَا جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، أَلَا وَلَا زَكَاةَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَهُ، وَلَا صَوْمَ لَهُ، وَلَا بِرَّ لَهُ، حَتَّى يَتُوبَ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، أَلَا وَلَا تَؤُمُّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يَؤُمُّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا يَؤُمُّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ سُلْطَانٌ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ»(٢).
(١) قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي # في الجوابات النافعة بالأدلة القاطعة ضمن مجمع الفوائد ص ٦٩٤: «وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ»، وَقَدْ ضُعِّفَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَتَأَوَّلَهَا الأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: جَائِرٌ فِي الْبَاطِنِ. وَفَائِدَتُهُ: أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْمَلوا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَكَلَّفُوا مَعْرِفَةَ الْبَاطِنِ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ الإِمَامُ غَيْرَ عَادِلٍ فِي الْبَاطِنِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ مَهْمَا كَانَ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةَ، وَأَنَّ الْعِصْمَةَ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الأَئِمَّةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنِ اشْتَرَطَهَا كَالإِمَامِيَّةِ، وَهَذِهِ فَوَائِدُ عَظِيمَةٌ. وَتَأَوَّلَهُ الإِمَامُ الْقَاسِمُ # فِي (الاعْتِصَامِ ٢/ ٥٠) بِتَأْوِيلٍ حَسَنٍ، خُلَاصَتُهُ: أَنَّ اللَّامَ تُفِيدُ الاخْتِصَاصَ، فَالْجَائِرُ لَيْسَ بِإِمَامٍ لِلْمُؤْمِنِ، فَلَيْسَ لَهُ بِإِمَامٍ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ، فَلَا يَدْخُلُ الْمُؤْمِنُ فِي الْوَعِيدِ بِتَرْكِهَا مَعَ الْجَائِرِ. قُلْتُ: وَأَيْضًا فِي الْخَبَرِ: «مَنْ تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا وَجُحُودًا»، وَفِي بَعْضٍ: «مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ»، فَتَارِكُهَا مَعَ الإِمَامِ الْجَائِرِ لَيْسَ مُسْتَخِّفًا بِهَا، وَلَا جَاحِدًا لِحَقِّهَا. مَعَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ الأَدِلَّةِ مِنَ الآيَاتِ وَالأَخْبَارِ الْمُفِيدَةِ لِلْمَنْعِ، وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الْبَيْتِ. انتهى.
(٢) رواه الإمام المؤيد بالله # في شرح التجريد ١/ ٥٢١ والإمام أحمد بن سليمان # في أصول الأحكام ١/ ٢٦٠ والقاضي جعفر في شرح النكت ص ٦٨ والأمير الحسين # في شفاء الأوام ١/ ٤٦٠ والإمام القاسم بن محمد # في الاعتصام ٢/ ٥٠ والشيخ الإمام محمد بن صالح السماوي في الغطمطم ٢/ ٥٥ والإمام مجدالدين المؤيدي # في مجمع الفوائد ص ٦٩٤ ورواه ابن ماجه في السنن ٢/ ١٨٣ وأبو يعلى في مسنده ٣/ ٣٨١ وابن عدي في الكامل وأبو نعيم في الحلية ٨/ ٢٩٥ والطبراني في الأوسط ٢/ ٦٤ وعبد بن حميد في المنتخب ٢/ ١٩٧ والبيهقي في الكبرى ٦/ ٢٢٧ وفي الشعب ٤/ ٤٢٣ وفضائل الأوقات ص ٤٧٨ والخلعي في الخلعيات ٨/ ٢٧ - ٢٩ وأبو المعالي الجويني في نهاية المطلب ٢/ ٤٨٨ وأبو إسحاق الشيرازي في المهذب في فقه الإمام الشافعي ١/ ٢٠٥ وعبد الواحد الروياني في بحر المذهب ٢/ ٣٥٢.