تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الثامن عشر في صلاة العيدين وما يتصل بذلك

صفحة 354 - الجزء 1

  يَذْبَحَهُمَا أَمَرَ بِحَفِيرَةٍ تُحْفَرُ فِي الْأَرْضِ لِدِمَائِهِمَا، وَكَانَ يَأْمُرُ بِالشَّفْرَةِ أَنْ تُحَدَّ حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ ذَلِكَ مُنْتَهَى الْحِدَّةِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقُومُ عِنْدَ الْحَفِيرَةِ، فَيَأْخُذُ الشَّفْرَةَ بِيَدِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ يَدْعُو بِأَحَدِ الْكَبْشَيْنِ، وَيَقُولُ: «ارْفُقُوا بِهِ، وَقُودُوهُ قَوْدًا جَمِيلًا» وَيَأْمُرُ بِالْآخَرِ فَيُسْتَرُ مِنَ الَّذِي يُرِيدُ ذَبْحَهُ كَيْلَا يَرَاهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ، فَيُضْجَعُ إِلَى الْأَرْضِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، وَيَأْمُرُ بِأَنْ تُرْبَطَ ثَلَاثُ قَوَائِمَ مِنْ قَوَائِمِهِ، وَيُتْرَكُ لَهُ قَائِمَةٌ وَاحِدَةٌ يَرْكُضُ بِهَا، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَالشَّفْرَةُ فِي يَدِهِ، فَيَقُولُ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايْ وَمَمَاتِيَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» وَيَضَعُ الشَّفْرَةَ بِيَدِهِ الْيُمْنَي وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» وَيُمِرُّ الشَّفْرَةَ إِمْرَارًا سَرِيعًا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِرَاحَةَ أُضْحِيَتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ كُلَّهَا أَمَرَ بِقَوَائِمِهِ فَتُحَلُّ حَتَّى يَرْكُضَ بِهَا؛ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَوْحَى لِمَوْتِهِ، ثُمَّ يَقُومُ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالشَّفْرَةُ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: «آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيئُونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» ثُمَّ يَأْمُرُ بِالْكَبْشِ فَيُنَحَّى عَنِ الْمَذْبَحِ، وَيَدْعُو بِالْآخَرِ، فَيَصْنَعُ بِهِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا كَمَا صَنَعَ بِالْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مَنْ لَمْ يَذْبَحْ مِنْهُمْ، مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَلِي بِالتَّبْلِيغِ» ثُمَّ يَأْمُرُ بِأَكْبَادِهِمَا فَتُشْوَى، فَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَيُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِكُلِّ كَبْشٍ مِنْهُمَا فَيُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْلَاثٍ: فَيُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بِالثُّلُثِ.

  قَالَ: وَقَامَ فِينَا خَطِيبًا يَوْمَ عَرَفَةَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: «اشْتَرُوا الْأَضَاحِيَ، وَاسْتَعْظِمُوهَا، وَاسْتَسْمِنُوهَا، وَلَا تُمَاكِسُوا فِي أَثْمَانِهَا فَإِنَّمَا