فَتَعَجَّبَ رَسُولُ اللهِ ÷ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ لَهُ: «إِنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ؟» فَقَالَ إِنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ اللهِ أَحْزَنَنِي، وَأَسْهَرَ لَيْلِي، وَأَظْمَأَ هَوَاجِرِي، فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ رَبِّي ø، وَقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ، وَقَدْ حُشِرَ الْخَلَائِقُ لِذَلِكَ وَأَنَا فِيهِمْ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِيهَا، وَيَتَعَارَفُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا يَصْطَرِخُونَ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُ الْآنَ زَفِيرَ النَّارِ تَدُورُ فِي مَسَامِعِي.

  فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ÷ لِأَصْحَابِهِ: «هَذَا عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ» ثُمَّ قَالَ لَهُ: «الْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ» فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ: ادْعُ اللهَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَرْزُقَنِيَ الشَّهَادَةَ مَعَكَ، قَالَ: فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ ÷ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ ÷ فَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَكَانَ هُوَ الْعَاشِرَ⁣^(⁣١).

  ٦٠٠ - وبه قال: أخبرنا عبدالله بن محمد القاضي ببغداد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن العبد، قال: حدثنا أبو داود السجستاني، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا سليمان بن كَثِير، قال: حدثنا الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري:

  عَنِ النَّبِيِّ ÷ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: «رَجُلٌ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللهَ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ قَدْ كَفَى النَّاسَ شَرَّهُ»⁣^(⁣٢).

  ٦٠١ - وبه قال: أخبرنا أحمد بن محمد الآبَنُوسِي البغدادي، قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان بن

(١) قيل: اسمه حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ. رواه البيهقي في شعب الإيمان ١٣/ ١٥٨ والبزار في مسنده ١٣/ ٣٣٣ والسيوطي في جامع الأحاديث ٣٣/ ٢١ عن العسكري في الأمثال ابن أخي ميمي في فوائده صفحة ٢٤٣ وابن المقرب أربعون حديثا عن أربعين شيخا في أربعين صفحة ٦٩. وروى قصته الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي # في مسائل ابنه محمد بن القاسم @ مجموع كتبه ورسائله ٢/ ٦٥٦.

(٢) رواه أبو داود في السنن ٣/ ٥ وأحمد في المسند ١٧/ ٢٠٠ وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده ت صبحي السامرائي صفحة ٣٠١ والبخاري في صحيحه ٤/ ١٥ ومسلم في صحيحه ٣/ ١٥٠٣ والترمذي في السنن ٤/ ١٨٦ وابن ماجه في السنن ٥/ ١٢٠ والنسائي في السنن ٦/ ١١.