الباب الأول في ذكر معجزات النبي ÷ ودلائله
  بِثَمَرٍ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْكَمْأَةِ فِي لَوْنِ الْوَرْسِ الْمَسْحُوقِ، وَرَاءِحَةِ الْعَنْبَرِ، وَطَعْمِ الشُّهْدِ، وَاللهِ مَا أَكَلَ مِنْهَا جَائِعٌ إِلَّا شَبِعَ، وَلَا ظَمْآنٌ إِلَّا رَوِيَ، وَلَا سَقِيمٌ إِلَّا بَرِئَ، وَلَا أَكَلَ مِنْ وَرَقِهَا بَعِيرٌ وَلَا نَاقَةٌ وَلَا شَاةٌ إِلَّا دَرَّ لَبَنُهَا، وَرَأَيْنَا النَّمَاءَ وَالْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِنَا مُنْذُ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ ÷، وَأَخْصَبَتْ بِلَادُنَا وَأَمْرَعَتْ، فَكُنَّا نُسَمِّي تِلْكَ الشَّجَرَةَ الْمُبَارَكَةَ، وَكَانَ مَنْ يَنْتَابُنَا مِنْ حَوْلِنَا مِنَ الْبَوَادِي يَسْتَشْفُونَ بِهَا، وَيَتَزَوَّدُونَ مِنْ وَرَقِهَا، وَيَحْمِلُونَهَا مَعَهُمْ فِي الْأَرْضِ الْقِفَارِ، فَتَقُومُ لَهُمْ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
  فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ، حَتَّى أَصْبَحْنَا ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَسَاقَطَ ثَمَرُهَا وَاصْفَرَّ وَرَقُهَا، فَحَزِنَّا لِذَلِكَ وَفَزِعْنَا لَهُ، فَمَا كَانَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَ نَعْيُ رَسُولِ اللهِ ÷، فَإِذَا هُوَ قَدْ قُبِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ تُثْمِرُ دُونَهُ فِي الطَّعْمِ وَالْعِظَمِ وَالرَّائِحَةِ، وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثِينَ سَنَةً.
  فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَصْبَحْنَا فَإِذَا بِهَا قَدْ أَشْوَكَتْ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَذَهَبَتْ نَضَارَةُ عِيدَانِهَا وَتَسَاقَطَ جَمِيعُ ثَمَرِهَا، فَمَا كَانَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى وَافَانَا مَقْتَلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنْيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَمَا أَثْمَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَانْقَطَعَ ثَمَرُهَا، وَلَمْ نَزَلْ وَمَنْ حَوْلَنَا نَأْخُذُ مِنْ وَرَقِهَا، وَنُدَاوِي بِهِ مَرْضَانَا، وَنَسْتَشْفِي بِهِ مِنْ أَسْقَامِنَا، فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً وَبَرْهَةً طَوِيلَةً.
  ثُمَّ أَصْبَحْنَا وَإِذَا بِهَا يَوْمًا قَدِ انْبَعَثَ مِنْ سَاقِهَا دَمٌ عَبِيطٌ(١) جَارٍ، وَوَرَقُهَا ذَابِلٌ يَقْطُرُ مَاءً كَمَاءِ اللَّحْمِ فَعَلِمْنَا أَنْ قَدْ حَدَثَ حَدَثٌ فَبِتْنَا فَزِعِينَ مَهْمُومِينَ نَتَوَقَّعُ الدَّاهِيَةَ، فَأَتَانَا بَعْدَ ذَلِكَ قَتْلُ الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ، وَيَبِسَتِ الشَّجَرَةُ وَجَفَّتْ وَكَسَّرَتْهَا الرِّيَاحُ وَالْأَمْطَارُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَذَهَبَتْ وَانْدَرَسَ أَصْلُهَا.
  قال محمد بن سهل(٢): فلقيت دِعْبِل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول ÷
(١) أَيْ: طَرِيٌّ. (هامش نسخة الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي #).
(٢) محمد بن سهل متأخرّ في أول الرابعة ولا يمكن لقاؤه دعبل؛ لأنه في أول الثالثة؛ فلعله حكاية عن رجل أنه لقيه. (هامش ج). قلت: الصواب كما في تأريخ حلب ومقتل الخوارزمي أن القائل هو محمد بن عبدالله الأنصاري.