تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الخامس والأربعون في ذم الدنيا وما يتصل بذلك

صفحة 584 - الجزء 1

  ٨١٩ - وبه قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن إسماعيل الفقيه |، قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي ¥، قال: أخبرنا محمد بن علي بن خلف، قال: حدثنا أحمد بن عبدالله بن محمد بن ربيعة القرشي، عن يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه:

  أَنَّ عَلِيًّا # سَمِعَ رَجُلًا يَذُمُّ الدُّنْيَا فَأَطْنَبَ فِي ذَمِّهَا، فَصَرَخَ بِهِ عَلِيٌّ #، فَقَالَ: (هَلُمَّ أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا).

  فَلَمَّا أَتَاهُ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ #: (أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا؛ وَيْحَكَ لِمَ تَذُمُّهَا؟! أَنْتَ الْمُجْتَرِمُ عَلَيْهَا أَمْ هِيَ الْمُجْتَرِمَةُ عَلَيْكَ؟!).

  فَقَالَ: بَلْ أَنَا الْمُجْتَرِمُ عَلَيْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

  قَالَ: (وَيْحَكَ فِيمَ تَذُمُّهَا؟ أَلَيْسَتْ مَنْزِلَ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارَ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، وَدَارَ عَاقِبَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ ø، وَمَهْبَطُ وَحْيِهِ، وَمُصَلَّى مَلَائِكَتِهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَائِهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ، وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ، فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا، وَنَادَتْ بِانْقِطَاعِهَا، وَمَثَّلَتْ بِبَلَائِهَا الْبَلَاءَ، وَشَوَّقَتْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ، رَاحَتْ بِفَجِيعَةٍ، وَابْتَكَرَتْ بِعَافِيَةٍ بِتَحْذِيرٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَخْوِيفٍ، فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ، حَدَّثَتْهُمْ فَلَمْ يُصَدِّقُوا، وَذَكَّرَتْهُمْ فَلَمْ يَذْكُرُوا، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ ذَكَّرَتْهُمْ فَذَكَرُوا، وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا.

  فَأَيُّهَا الذَّامُ لِلدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِتَغْرِيرِهَا، مَتَى اسْتَذَمَّتْ إِلَيْكَ؟! بَلْ مَتَى غَرَّتْكَ؟! أَبِمَضَاجِعِ آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى، أَمْ بِمَصَارِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى؟! كَمْ عَلَّلْتَ بِيَدَيْكَ، وَكَمْ مَرَّضْتَ بِكَفَّيْكَ، تَلْتَمِسُ لَهُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ لَهُ الْأَطِبَّاءَ؟! لَمْ تَنْفَعْهُ شَفَاعَتُكَ، وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُ طَلِبَتُكَ، مَثَّلَتْ لَكَ - وَيْحَكَ - الدُّنْيَا بِمَضْجَعِهِ مَضْجَعَكَ،


= الإيمان ١٣/ ١٧٩، والماوردي في أدب الدنيا والدين ص ١٠٩، وابن حمدون في التذكرة الحمدونية ١/ ٦٦، والسيد العلامة الأوحد الحسن بن الحسين بن محمد ¦ في التعليق الوافي على كتاب الشافي ٣/ ٦٢١، وأبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين ٣/ ٢١٦.