تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الستون في التعزية والصبر على المصيبة وما يتصل بذلك

صفحة 674 - الجزء 1

  أَتَى الْوَلِيدَ بْنَ مُغِيرَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنَّ أَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ، قَالَ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ هَلْ آذَاكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَكُونَ فِي جِوَارِ اللهِ تَعَالَى، قَالَ: إِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى قُرَيْشٍ فَتُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّكَ قَدْ رَدَدْتَ عَلَيَّ جِوَارِي؛ فَإِنِّي أَجَرْتُكَ عَلَانِيَةً. قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ، وَوَقَفَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَجْلِسِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي كُنْتُ أَجَرْتُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ، ثُمَّ جَاءَنِي، فَرَدَّ عَلَيَّ جِوَارِي، كَذَلِكَ يَا عُثْمَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي بَرِئْتُ مِنْ جِوَارِهِ، قَالَ: فَوَافَقَ ذَلِكَ حُضُورَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ مَجْلِسَ قُرَيْشٍ يُنْشِدُهُمْ شِعْرَهُ، قَالَ: فَجَلَسَ الْوَلِيدُ، وَجَلَسَ عُثْمَانُ وَأَنْشَدَ لَبِيدٌ: [الطويل]

  أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ ... .........................

  فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ، قَالَ:

  ...................... ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ

  فَقَالَ عُثْمَان: كَذَبْتَ، نَعِيمُ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا كَانَتْ مَجَالِسُكُمْ هَكَذَا أَنْ يُؤْذَى جَلِيسُكُمْ وَيُكَذَّبَ، قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مَجْنُونٌ فِي أَصْحَابٍ لَهُ مَجَانِينَ مَعَهُ فَلَا يَسُوؤُكَ مَا قَالَ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَضَرَبَ عَيْنَهُ ضَرْبَةً فَطَمَّتْ⁣(⁣١)، قَالَ: يَقُولُ الْوَلِيدُ: يَا ابْنَ أَخِي إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ هَذِهِ لَغَنِيَّةً عَمَّا أَصَابَهَا، فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّ عَيْنِي هَذِهِ الْأُخْرَى لَفَقِيرَةٌ إِلَى مَا أَصَابَ هَذِهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَفُتِنَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ÷ مِنْهُمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا هَاجَ هِجْرَتَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ⁣(⁣٢).


(١) في السير والروايات: «فَاخْضَرَّتْ».

(٢) رواه محمد بن إسحاق في السيرة ص ١٧٩ وابن هشام في السيرة ت السقا ١/ ٣٧١ والطبراني في المعجم الكبير ٩/ ٣٤ وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء ١/ ١٠٣ والبيهقي في دلائل النبوة ٢/ ٢٩٢ وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ٢/ ٨٦٤.