[المتوكل على ربه]
  ومن توكل على الوهاب - لم يخضع لأبناء التراب، من عرف أن الله متكفل بالرزق - ساق إليه أسباب الرزق(١). من أقر أن الله هو المتفضل، لم يكن على غيره متوكل(٢).
  من عرف أن الله هو الجواد - سخا بما في يده وجاد، من عرف أن الله هو المعطي - لم يعصه أبداً ولا يخطي، من عرف أن الله هو الجواد - لم يطلب من غيره المراد من تيقن أن الله خالق العباد، ومالك البلاد - لم يعلق بغيره الفؤاد.
  أتظن من غذاك في الصغر ينساك في الكبر؟ الذي رفع عنك المؤنة وأنت طفل - يأتيك برزقك وأنت كهل، الذي رزقك وأنت مُغَيَّبٌ جنين - كيف لا يرزقك وأنت تضرع وتستكين؟ يرزق من جحده، فكيف يضيع من وحده، يرزق الدودة في الصخرة الصماء، والطير في الأوكار، والحيتان في البحار، والوحش في القفار، فكيف يضيعك مع الذكر في الليل والنهار؟ والتسبيح في العشي والإبكار؟ يرزق الْجِنَّة والناس، إلى منتهى الآجال وانقطاع الأنفاس.
  عجباً ممن يرفع حوائجه إلى المخلوقين، ولا يطلبها من عند رب العالمين.
  عجباً ممن يسأل حوائجه من ضعيف لا يسجد له أحد، ولا يسألها ممن يسجد له كل أحد.
  عجباً ممن يتذلل لمحتاج فقير، ولا يتذلل للغني الكبير.
  عجباً لمن يخضع ويتضعضع للعبد الفقير، المحتاج الضرير، ولا يخضع ويتضعضع للملك القدير! الذي يعطي الكثير، ويكشف العسير، ويغني الفقير، وهو على كل شيء قدير.
  من اتقاه جعل له من أمره مخرجاً، ومن دعاه جعل له منهجاً وفرجاً، أجملوا في الطلب، فما من حكمه مهرب. من أجمل في الطلب، أتاه الرزق بلا تعب.
(١) في مجموع الإمام القاسم المطبوع: من عرف الله بالصدق ساق إليه الرزق.
(٢) إلى غير متوسل (نخ).