نصائح عامة للرجال والنساء،

عبد الله بن علي القذان (معاصر)

[في البحث عن أسباب النجاة]

صفحة 105 - الجزء 1

  نعم، هي ملكة في بيت ملكٍ جبار، نشأت في رغد العيش بين الترف تلبس ما شاءت من أفخر الثياب، وتكتسي ما أرادت من أفخر الحلي، أمرها مطاع؛ لأنها زوجة فرعون الجبار الذي أذل العباد وصيرهم عبيداً لجبروته، إذا أرادت فعل أي فاحشة فلا مانع –وحاشاها -؛ لأنها ملكة وزوجة الملك، وحاشية الملك من أجمل الرجال وأقواهم، ولكنها عزفت وأعرضت عن شهوات النفس في هذه الدنيا وتوجهت بقلبها الطاهر إلى ربها، وتعلقت روحها بما أعد الله لأوليائه في جنات النعيم، طالبة من الله الرحمن الرحيم الجوار قبل الدار: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}، من الذي ألهمها؟ من الذي وعظها وعرفها أن هناك داراً لأولياء الله خير من هذه الدار؟ وأن الحياة فيها أبدية؟ من الذي عرفها أن الشهوات في هذه الدنيا سموم قاتلة إلا ما أحل الله؟! إنه العقل الراجح، العقل السليم، إنه النظر الصحيح، والفكرة الصافية.

  الناس في وقتها ينظرون بعيونهم إلى القصور العامرة، وهي تنظر بعين قلبها إلى البيوت الخربة الدامرة، الناس ينظرون بعيونهم إلى الصور الجميلة والأجسام الناعمة وإلى ما فوقها من أنواع الكساء، وهي تغوص بفطنتها الصافية إلى ما في بطون القبور من الأجساد الخاوية والعظام النخرة، وتنظر بعينيها إلى صور من قربت آجالهم، وتغيرت ملامح صورهم، والناس ينفرون عن مجالستهم، تنظر إلى المقابر نظرة المستبصرين، وتقول: لا خير في حياة هذه آخرها، لا خير في جسد وَرَّطَ نفسه ودنسها، وبعد ذلك غُيّب بين التراب.