[التحذير من الدنيا]
[التحذير من الدنيا]
  
  الحمد لله رب العالمين الذي جعل ما في هذه الدنيا عبراً واعظة ومرآة صافية، من نظر فيها بعين بصيرته جادت له بعطائها وسقته من صافي زلالها، ولا يتم ذلك لأحد إلا إذا رأى صفوها كدراً، وحلوها مراً، وعافيتها بلاءً، وأنها كما قال وصي رسول الله ÷: (كالحية مسها ليِّن، وسمها قاتل)، لقد سقت عشاقها سماً ناقعاً، مات الكثير منهم وهم أحياء والبقية بين الموت والحياة إلا أنهم أقرب إلى الموت من حياتهم، مال بهم هواؤها إلى أن ما فيها من الحطام هو العافية وغيره البلاء والحصول عليه هي السعادة وفقده شقاء.
  لقد نسينا أو تناسينا مصارع آباءنا وأرحامنا ومن قد عرفناهم، نسينا مراقدهم تلك الموحشة التي مزقت فيها أوصالهم وأكلت فيها لحومهم، وتهششت لطول البقاء فيها عظامهم.
  وأعجب من ذلك تعامينا وتغافلُنا عن أوصافهم وأحوالهم، ولقد وصفنا - والله - صاحب الشريعة السمحة ÷ بهذا عندما قال: «وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم».
  فعلى الإنسان أن ينظر نظر المستبصر لا نظر المتحير، ينظر في أحوال من عرفهم وكيف كانت حياتهم وما آل أمرهم إليه، كانوا أحياء فصاروا أمواتاً، وكانوا أعزاء وهم اليوم أذلاء؛ لأنهم