[معرفة نعم الله وأداء شكرها]
  كيف لو وكل الله بكل قطعة من تلك الأعصاب أو قصبة من تلك العظام مخلوقاً يوجدها وحكيماً يصنعها، وأحوجك في عافيتها ونموها وإجراء الزيت في مفاصلها إلى مراجعة ومتابعة ذلك المخلوق الذي أوجدها والحكيم الذي صنعها؟ لَكَثُرَ على لسانك المدح والثناء على كل مخلوق أوجد فيك قطعة من تلك العصب، أو قصبة من تلك العظام، ولا سيما إذا كنت بحاجة ذلك المخلوق في عافيتها وفي بقائها.
  نعم، يجري الله العافية في كل عصبة وقصبة ولو تعطلت واحدة من العصب أو قصبة من العظام لعظمت مصيبتها وضرَّ بك ألمها، جعل جميعها يمتص ما يحتاج إليه من الغذاء الذي يخلقه الله لها كي يطول بقاؤها ويستمر نفعها، وفي أشكالها وتركيبها البديع من حكمته.
  انظر في قصب وعصب الأصابع كيف خلقت ذلك الخلق ولو ركبت غير ذلك التركيب لقل نفعها، فلو بطل نفع واحدة من تلك الأصابع وحل محله ألم يقلقك وفي منامك يسهرك، وعجزت عن مزاولة بعض الأعمال بسبب تلك العلة، ثم عالجها فيك مخلوق فعادت كما كانت وعاد نفعها وسلمت من ضرها وألمها؛ لطال منك الثناء على ذلك المخلوق لأنه أزال منك ألم في جزء بسيط من جسمك.