كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب إن وأخواتها

صفحة 156 - الجزء 1

  [قلت]: اعلم أن قول القائل: إن زيدا لقائم، أصله: لأنّ زيدا قائم. لأن (اللام) لام الابتداء، ومرتبته قبل (إنّ). وقد جاء ذلك [في قول الشاعر]:

  ١١٨ - ... ... لهنّك من برق عليّ كريم⁣(⁣١)

  أي: لأنك. فلما أبدل من الهمزة الهاء استجاز دخول اللام عليه، لما تغيرت الصورة. ولا أحمله على أنه: لاه، إنك من برق. أي: والله، إنك من برق، كما زعمه أبو زيد، وقواه أبو علي⁣(⁣٢)، لأن فيه حذف الألف من لاه، والهمزة من إنّ. وعلى مذهب صاحب الكتاب⁣(⁣٣)، ليس فيه إلا الإبدال. وإذا ثبت رتبة اللام قبل (إنّ) واللام لام الابتداء، وهي للتأكيد، و (إنّ) للتأكيد، ولم يزل بدخول (إن) على المبتدأ، والخبر، معنى الابتداء، بل هو باق مع (إن) على ما كان عليه قبل (إن)، ألا ترى أن قولك: زيد قائم، وقولك: إن زيدا قائم، سواء، ولم يجز اجتماع حرفي معنى في موضع واحد. ووجب [٤٩ / أ]: تأخير اللام دون (إن)، لأن (إن) عاملة، واللام غير عاملة، صح اختصاص هذه اللام ب (إن) من دون سائر الحروف. والمقصود أن لا تجتمع اللام، وإن. فإذا حصل هذا المقصود، وهو أن لا يوقع مع (إن) فإن شئت أدخلته على الخبر، أو ما يقع موقع الخبر، أو على الاسم إذا كان الخبر ظرفا مقدما على الاسم. تقول: إن زيدا لقائم، وإن في الدار لزيدا، وإن زيدا لطعامك آكل، فتدخل اللام في (طعامك) لأنه واقع موقع الخبر. قال الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (٧٢)⁣(⁣٤) فأدخل اللام على الظرف، لما وقع موقع الخبر، لأن موقع الخبر بعد الاسم. ولو قلت: إن زيدا آكل لطعامك، لم يجز، لأن (طعامك) هاهنا جاء بعد الخبر، بخلاف الأول، لأن الأول وقع فيه موقع الخبر، والخبر بعد مضمون. فاللام تدخل على الاسم، أو الخبر، أو ما يقع موقع الخبر. ولا تدخل على الفضلة، ولا على الاسم ما لم يكن بين (إن) والاسم فاصل.


(١) البيت من الطويل، لمحمد بن مسلمة، وصدره:

إلا يا سنا برق على قلل الحمى ...

وهو بهذه النسبة في اللسان (لهن) ١٣: ٣٩٣، ولرجل من بني نمير في: أمالي القالي ١: ٢٢٠، والخزانة ١٠: ٣٣٨، ٣٥١.

وبلا نسبة في: الخصائص ١: ٣١٥، ٢: ١٩٥، والجمل ١: ٤٣٣، وابن يعيش ٨: ٦٣، ٩: ٢٥، والمغني ١: ٢٣١.

(٢) الخزانة ١٠: ٣٣٩، ونص العبارة: قال أبو زيد: قال أبو أدهم الكلابي: له، ربي، لا أقول ذلك، بفتح اللام، وكسر الهاء في الإدراج. ومعناه: والله ربي، لا أقول ذلك.

(٣) الكتاب ٣: ١٥٠، ونصه: (تقول: لهنك لرجل صدق، فهي (إنّ) ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف، كقوله: هرقت).

(٤) ١٥: سورة الحجر ٧٢.