كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب إن وأخواتها

صفحة 163 - الجزء 1

  يُعْلِنُونَ} (٧٦)⁣(⁣١)، فكسر (إنّ) في الآيتين ليس على القول، بل الكلام تم عند قوله: (قولهم) ثم استأنف. وهذا ظاهر. وإنما ذكرته، لأن بعضهم توهم، خلاف ذلك. كما أن أكثرهم توهموا على يزيد⁣(⁣٢) في قراءته: {لِيَجْزِيَ قَوْماً}⁣(⁣٣) أن تقديره: ليجزى الجزاء قوما. قالوا: ولا يجوز: ضرب ضرب زيدا، إنما لم يجز، لأن المصدر إذا أقيم مقام الفاعل، يوصف. وتقديره: ليجزى الجنة قوما⁣(⁣٤). ولا يجوز أنّ تقدير الآية: ليجزى الجزاء قوما، لأن يجزى يدل على الجزاء.

  ثم ذكر من بعد ذلك أن (إنّ) تأتي بمعنى: نعم. وأنشد البيت، وهو قوله:

  ١٣٠ - ... ... ... فقلت إنّه⁣(⁣٥)

  أي: نعم. وردّ على القتيبي⁣(⁣٦)، قوله في غريب الحديث⁣(⁣٧)، نصا في هذا البيت، فقلت: إنه، أي: إنه كذلك. كما قال: (فإن ذلك)⁣(⁣٨)، ولم يقل: كذلك. وعدل أبو الفتح إلى هذا القول، وأنّ الهاء للاستراحة، وأن الكلام لا يحمل على الحذف، ما وجد عنه مندوحة، [و]⁣(⁣٩) لا سيما والباب باب الحروف دون الأفعال، وهي أقل تصرفا منها.

  [قال أبو الفتح]: فإن عطفت على اسم (إنّ، ولكنّ) بعد خبرهما، جاز لك في المعطوف: النصب على اللفظ، والرفع على موضع الابتداء. تقول: إن زيدا قائم وعمرا. وإن شئت، قلت: وعمرو. وكذلك: لكنّ جعفرا منطلق وبشرا. وإن شئت، قلت: وبشر. ولا يجوز العطف على موضع الابتداء، مع بقية أخواتها، لزوال معنى الابتداء منها. ولكن تقول: ليت زيدا خارج، وبكرا.


(١) ٣٦: سورة يس ٧٦.

(٢) أي: أبو جعفر المدني. وقد سبقت ترجمته ص ٣١.

(٣) ٤٥: سورة الجاثية ١٤. وهي كذلك قراءة: عاصم، وشيبة، والأعرج. ينظر: مجمع البيان ٩: ٧٤، وتفسير القرطبي ١٦: ١٦٢، والنشر ٢: ٣٧٢.

(٤) مجمع البيان ٩: ٧٤، نقل عن الشارح قوله: (معناه: ليجزى الخير قوما، فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه، وليس التقدير: ليجزى الجزاء قوما، لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل، ومعك مفعول صحيح).

(٥) البيت من مجزوء الكامل، لابن قيس الرقيات، وتمامه:

ويقلن: شيب قد علا ... ك، وقد كبرت، فقلت: إنه

وهو في: ديوانه ٦٦، والتحصيل ٥٥٣، وشرح اللمع - لابن برهان ١: ٨٥، واللسان (إنن) ١٣: ٣١، والخزانة ١١: ٢١٣، ٢١٦.

وبلا نسبة في: الكتاب ٣: ١٥١، ٤: ١٦٢، والإيضاح ٢: ٢٢٢، وابن يعيش ٣: ١٣٠، والمغني ١: ٣٨، ٢: ٦٤٩.

(٦) هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت ٢٧٦ هـ). أخذ عن أبي حاتم السجستاني، وأخذ عنه ابن درستويه. من آثاره: (غريب القرآن)، و (غريب الحديث)، و (عيون الأخبار). وينظر: نزهة الألباء ١٥٩.

(٧) غريب الحديث - لابن قتيبة ١: ٥٣٧.

(٨) جزء من حديث للرسول عليه الصلاة والسّلام سبق تخريجه ص ١١٠.

(٩) دخول الواو على: لا سيما، واجب. قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء في قول امرئ القيس:

ألا ربّ يوم صالح لك منهما ... ولا سيما يوم بدارة جلجل

فهو مخطئ. ينظر: المغني: ١/ ٢٧٧.