كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول به

صفحة 185 - الجزء 1

  [والثالث]: من خواصّ هذا الباب، هو: التعليق. ومعنى التعليق: هو أن تعلّق الفعل بين أن تعمله في المعنى، ولم تعمله في اللفظ، بخلاف الإلغاء، لأن الإلغاء إبطاله لفظا، ومعنى. فقولك: علمت: لعبد الله قائم. وعلمت: أزيد في الدار أم عمرو. فالفعل معمل في المعنى دون اللفظ، لأن الجملة في المعنى، سادة مسدّ المفعولين، إلا أن اللام، والهمزة منعتا الفعل من العمل، لما تقتضيانه من صدر الكلام. قال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}⁣(⁣١). فلم يعمل لنعلم، لأن (أيّا) لما كان استفهاما منع من ذلك.

  [فإن قلت]: فلم زعمت أنّ التعليق يختص هذا الباب، وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} (٦٩)⁣(⁣٢). فلم يعمل (لننزعنّ) في (أيّهم) كما لم يعمل (لنعلم) في (أيّ الحزبين). وقد قال الله تعالى: {يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}⁣(⁣٣). فعلّق (يدعو) حيث أدخل اللام على قوله: (من). فهذان فعلان خارجان عن الأفعال السبعة؟

  [الجواب]: أنّ تعليق (ننزع) في الآية قول يونس⁣(⁣٤)، وليس بقول سيبويه، ولا الخليل. فلا يلزمنا ذلك. على أنا نقول: إن يونس استجاز تعليق (ننزع)، لأن المراد بالنزع في الآية، هو التمييز بين الصالح، والطالح، وليس المراد به نزع الشيء من الشيء، كنزع المسامير من الخشب.

  فلهذا جوز التعليق.

  ثم قول سيبويه في الآية، أنّ (أيهم) مبني، لأنه بمعنى (الذي)⁣(⁣٥) وقد حذف منه ما يعود إليه، وما يعود إليه موضح له مبيّن، وهو بعضه. فلما حذف منه ذلك استحق البناء، كقبل، وبعد.

  ونحن نقول في الآية: إنّ (من) زائدة. والمفعول قوله: (كلّ شيعة). وإن كان قد قال: هي لا تزاد في الواجب. وأما قوله (يدعوا لمن ضرّه) فليس (يدعو) معلّقا، وإنما هو في موضع الحال، مما قبله.

  والتقدير: ذلك هو الضّلال البعيد مدعوّا.

  وقوله: (لمن ضرّه) مبتدأ، وليس بمفعول، فلا يلزمنا ذلك. أو يكون (يدعو) بمعنى (يقول).

  وما بعد القول [٦٣ / أ] مبتدأ، وخبر. وقول الفراء تقديره: يدعو من لضرّه أقرب من نفعه، وأنّ اللام مؤخر في النية [غير⁣(⁣٦)] جائز⁣(⁣٧)، لأن ما في الصلة لا يتقدم على الموصول. وإذا احتمل هذا صح أنّ التعليق من خواص هذا الباب، وأنّ قوله: علمت لزيد في الدار، وعلمت: زيدا أبو من هو، بالرفع، أعني في زيد، لما كان قوله: من هو: استفهاما عائدا إلى زيد، وهو في المعنى هو، لا يجوز هذا في غير هذه الأفعال، قال: وتقول: علمت أيّ يوم الجمعة، وأيّ يوم الجمعة، بالنصب،


(١) ١٨: سورة الكهف ١٢.

(٢) ١٩: سورة مريم ٦٩.

(٣) ٢٢: سورة الحج ١٣.

(٤) الكتاب ٢: ٤٠٠، وفيه: (وأمّا يونس فيزعم أنه بمنزلة قولك: أشهد إنك لرسول الله).

(٥) الكتاب ٢: ٣٩٩.

(٦) في الأصل: فغير، ودخول الفاء لا مسوغ له، فغير خبر إلى قول.

(٧) معاني القرآن - للفراء ٢: ٢١٧.